ملف: العنف ضد النساء وآليات التأويل الذكوري (20)

ملف: العنف ضد النساء وآليات التأويل الذكوري (20)

15 مارس 2023
+ الخط -

اليوم العالمي للمرأة لا يقع سهواً على الروزنامة، فكلّ يوم هو عالم للنساء والرجال معاً، يداً بيد وصوتاً واحداً. 

إنّ السردية الكامنة والمبرّرة لقتل النساء في العالم العربي مرجعها إلى اختلال مفهوم السلطة بين الرجل والمرأة، هذا الاختلال يحتّم أن تكون المرأة ضحية والرجل بطلاً اجتماعياً بناءً على اعتبارات دينية مشوّهة، وأخرى اجتماعية مشوّشة، لتتحوّل هذه الاعتبارات إلى معتقدات ذهنية مخدّرة معرفياً وينجم عنها سلوك اجتماعي ضار، فيؤدي ذلك إلى منهجية غير مباشرة تتبنى العنف ضد النساء، وهذه المنهجية لا توصم بالعار، بل ومع كل أسف، تتوّج بالبطولة، فيتم تكريسها حقاً واجباً على النساء، وكأنّ الشعار غير المعلن لسان حاله يقول "عنّف امرأة تكن رجلاً".

وإذا أردنا الخوض في سردية العنف بشكل دقيق فسنصطدم بمفهوم القوامة، أي قوامة الرجل على المرأة استناداً إلى الآية الكريم "الرجال قوّامون على النساء"، فكثر من المفسّرين أغرتهم ذكوريتهم لتفسيرها تفسيراً حرفياً؛ فعلى سبيل المثال تفسير ابن كثير يقول "الرجل قيّم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت" في حين أنّ آخر تفسير "حداثي" يتولاه الشيخ محمد متولي الشعرواي يقول "إن معنى كلمة القوامة أي القائم بجميع الأعمال، ويعنى هذا أن الآية الكريمة تؤكد على الرجال تعزيز وتكريم المرأة وتلبية جميع طلباتها قائلاً: "يعنى مش سي السيد.. لا.. يعني الرجال خادم لزوجته".

وهذا يعني أنّ سرديات العنف غير متعلّقة بالدين، ولكنّها تحديداً متعلقة برجال الدين؛ فالله خلق الذكر والأنثى كأجناس من مخلوقاته تضمهم رحمته وعقابه.. وإذا كان الله لم يفرض نفسه كربّ عنيف على جنس دون جنس، فكيف يكون رجل الدين عنيفاً مع النساء؟! إذاً هنا المسألة ليست دينية بقدر ما هي متعلقة بآليات التأويل الذكوري!

بالإضافة إلى السردية الدينية نصطدم أيضاً بعقدة الذكورة، فلطالما عرف الرجل بقوته الجسدية، فإذ به هاهنا يتباهى بها على حساب المرأة وحدودها الشخصية كنمط من إثبات القوة ليس على الضعيف، بل تحديداً على من لا يملك قوة جسدية. 

سرديات العنف غير متعلّقة بالدين، ولكنّها تحديداً متعلقة برجال الدين

مع كلّ هذا العنف ضد النساء، يعاني الإعلام العربي بمعظمه من ضعف في مقاربة القضايا النسائية، فهو يخشى إلصاق تهمة "نسوي"، مما يجعله يبتعد عن تغطية منصفة للشؤون الأنثوية. وبذلك تتحوّل القضايا الأنثوية إلى قضايا ثانوية في الطرح الإعلامي، كما تميل بعض وسائل الإعلام العربي إلى الابتذال في عرض النساء من حيث البرامج والضيوف والإعلانات، فهو يتماهى فعلياً مع تسليع النساء والحطّ من قدرهن من خلال العمل على نشر الثقافة الرأسمالية الموغلة في الحرية الفردية لجنس على جنس على حساب القيم الإنسانية الجامعة والمشتركة.

وإذا كان الدور الإعلامي فاشلاً في إعادة التوازن والعدالة للنساء، فلم يبقَ أمامنا إلا الرجال قولاً وفعلاً في رصّ الصفوف بين الرجال والنساء كفعل مشاركة وتوازن اجتماعي وخلقي، إذ إنّنا جميعاً نتفق في الغاية الإنسانية التي خلقنا لأجلها ولا يحق لأي رجل كان أن يضع نفسه بمرتبة أعلى من أي امرأة كانت، فالقضية ليست تشريفاً ولكنّها تكليف، وكلّنا رجالاً ونساءً كلّفنا من خالق واحد.

وإذا أردنا رصّ الصفوف، فنحن بحاجة إلى اللغة، واللغة العربية لا تدخل في تجاذبات الذكورية والنسوية لا في صرفها ولا في نحوها، ولكن تحديداً في استعمالاتها الاجتماعية؛ وعلى وجه الخصوص الشتم، وتركيز الشتم على الأعضاء الأنثوية بهدف إهانتها وتحويرها عن غايتها الإنسانية لتغدو مستباحة الدماء مهتوكة العرض. إنّ اللغة العربية لغة مجرّدة، ولكن السياق الذي يستعملها العربي هو العنيف مع النساء، فلا بدّ من تغيير سياقاتها الشعوبية ونقلها إلى مكاتب الحوار ورصّ الصفوف لتؤدي الدور المطلوب منها أن تؤديه. 

وتطرح في نهاية الأمر تساؤلات حول نجاح الترند حول قضايا النساء، فلا يهم في كثير من الأحيان الدّقة ولا المصدرية ولا المعيارية في الحكم والتحليل، ما يهم هو ألا يفوتنا الترند دون أن نُلقي فيه بحصيلتنا من الآراء والتقييمات، وفي معظم الأحيان تكون متحيّزة وغير موضوعية ويحكي بها من لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد، وهذه الطبيعة الخالقة للترند تضعف أثره ومصداقيته، فيا ليت يستبدل الترند بطاولة مستديرة أو مربعة للتفاوض فعلياً مع من يمثلون قضايا النساء، سواء كانوا ضد أو مع؛ فالمجلس هنا ليس للثرثرة مثل الترند، ولكنّه لحقّ تقرير المصير.

مصطفى أمين
مصطفى أمين
كاتب وشاعر من لبنان، حاصل على بكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من الجامعة اللبنانية. مهتمّ بالفكر والأدب والفنون والمسرح.