النساء والحب

النساء والحب

19 فبراير 2024
+ الخط -

كان مشهد عودة طالبات المدرسة الثانوية محمّلات بباقات زهور صفراء وبيضاء قطفنها بأيديهن من الحديقة العامة وأسوار الأبنية مشهداً طافحاً بالحب، أهدت الفتيات اليافعات زهوراً لأنفسهن، وربما تبادلنها مع زميلاتهن أيضاً.

بات الاحتفال بعيد الحب عيداً اجتماعياً أشبه بالعرف، وإن تعددت مساحات الاحتفال به، وأغلبها يجري في السر بعيداً عن أعين العائلة ورقابتها، بل واكتسب عفوية عارمة بطريقة الاحتفال حتى بات الجميع، مهما صغرت أعمارهم، مشغولين بالاحتفال به ولو بطرقهم الخاصة والنادرة.

يرتبط عيد الحب بالورود الحمراء والدببة القماشية الحمراء أيضاً، لكن كثرة تداول معنى العيد وتوقيته شغلت الجميع بتفاصيل لا تنتمي للعرف السائد بصورة مطلقة، وتغيرت الألوان والأشكال والهدايا.

طلبت ريما العشرينية من حبيبها، أن يهديها وجبة من الفتة الشامية في مطعم يقع على زاوية درج الجامع الأموي، قالت له ببساطة سعر الوردة مرتفع وقد وصل في الأزقة يوم العيد إلى عشرة آلاف ليرة، عدا عن أن أمي ستسألني عمّن أهداني تلك الوردة، وسأغرق في خضم جولة أمنية من الأسئلة والاعتراض والتهديد والوعيد. وبالفعل تشاركا وجبة مكونة من طبق الفتة بالسمن، مع طبق من الفول المدمس، وقد طلب الشاب من صاحب المطعم زيادة قطع البندورة الناعمة على وجه الطبقين تيمناً باللون الأحمر رمز العيد.

ينشغل الباعة، وخاصة باعة الإكسسوار، قبل مدة طويلة من عيد الحب بتحضير الهدايا من وحي عيد الحب وترتيبها وتوضيبها وعرضها قبل مدة كافية لتحقيق أرباح مرتقبة ينتظرونها كل عام لتعويض خسارات سابقة أو لتعزيز موازنتهم الاقتصادية الحالية، أي إن هذا العيد يتحول إلى مورد مادي وعلامة تجارية مربحة، وينبغي الاهتمام بها جيداً لضمان التسويق.

كما ينشغل العشاق والعاشقات والمهتمون بالعيد بترتيب ميزانية خاصة لهدايا هذا اليوم الخاص جداً كما يصفونه، وينقسم موقف الأشخاص تجاهه إلى قسمين، البعض مقتنع تماماً به، وبضرورة الاحتفال به بشكل خاص وحميمي مهما بلغت التكلفة، والبعض الآخر يتعامل معه كواجب ملزم به خاصة إذا كان حديث العهد بالحب أو بالزواج.

يعترض أشخاص كثيرون على معنى عيد الحب والاحتفال به، فالحب حسب زعمهم لا يحتاج عيداً ولا حتى مجرد تذكير به

يعترض أشخاص كثيرون على معنى عيد الحب والاحتفال به، فالحب حسب زعمهم لا يحتاج عيداً ولا حتى مجرد تذكير به، والبعض الآخر ولأسباب دينية أو اجتماعية يعترض بشدة على مجرد اعتباره عيداً أو مناسبة تستحق الاحتفال والاهتمام، وهؤلاء غالباً ما تبوء جهودهم الرافضة بالفشل في خضم موجة متصاعدة من الاحتفال والترحيب بهذا العيد.

لكن بعض موانع الاحتفال، وخاصة الاقتصادية، تبدو محقة ومبررة، خاصة في ظل الارتفاع المتنامي والمتسارع لأسعار التفاصيل الاحتفالية الملحقة بهذا العيد، لدرجة أن بعض وسائل الإعلام أذاعت أن سعر دبدوب عيد الحب قد وصل إلى مليوني ليرة، كما أنّ ما يعرض من هدايا مبالغ في أسعارها وجودتها منخفضة جداً ومغرقة في شكلانيتها بحيث يتحول شراؤها أو إهداؤها أو حتى اقتناؤها لخسارة مؤكدة دون أي تعويض محتمل.

تعرف سميرة ولع ابنتها المتزوجة بالاحتفال بعيد الحب، وتعي تماماً الواقع المعيشي الشيء الذي تعيشه ابنتها ويحرمها ليس من الاحتفال فحسب! بل من العيش الطبيعي لأسرة صغيرة ومتواضعة المتطلبات. قررت مفاجأتها بدعوتها مع عائلتها للاستحمام في منزلها، لعجز الابنة عن تأمين ماء ساخن يكفي لاستحمام العائلة دفعة واحدة، بل وبالغت في مفاجأتها حين تعهدت بإبقاء طفلي ابنتها في منزلها يوم العيد بعد الاستحمام، كما وضعت في جيب ابنتها مبلغ خمسين ألف ليرة ودعتها للخروج مع زوجها في جولة خاصة يأكلان فيها الكاتو أو البوظة، أو حتى شطيرتي شاورما، أو كيفما يقرران.

الحب لا يحتاج تذكيراً أو تبذيراً لينمو أو ليستقر، لكنه يحيا بالاهتمام، بالاسترخاء، بالدعم وربما بالتخيل والكثير من الأحلام والمفاجآت.

سلوى زكزك/ فيسبوك
سلوى زكزك
مدوّنة سورية تقيم في دمشق. تكتب مقالات وتحقيقات صحافية. وصدرت لها ثلاث مجموعات قصصية. تكتب في مواضيع النسوية والجندر وتهتم بقضايا العنف الاجتماعي.