السلطة في لبنان بين خيارين لا ثالث لهما

السلطة في لبنان بين خيارين لا ثالث لهما

15 مارس 2021
+ الخط -

الشعب قال كلمته منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 في موضوع تغيير الواقع المزري من هدر للأموال العامة والفساد وكيفية إدارة مرافق الدولة، ولكن للأسف السلطة ما زالت في زمن ما قبل الانتفاضة الشعبية تراهن على التسويات الخارجية وتبيع وتشتري بشعبها الغاضب على ممارساتها الخاطئة، فتحاول مجدداً تدفيعه الثمن بعدما دفعه في مرحلة ما قبل الانهيار.

لبنان والانهيار

لم يتوقع أحد للبنان الذي كان منارة للشرق أن يصبح بمشهد شبه فنزويلي، هل هذا لبنان الذي يفتخر مواطنوه في كل أصقاع العالم بهويتهم؟ هل هذا لبنان الذي كان مرقداً للسياحة؟

أصبحنا نتنافس مع دول تحت خط الانهيار، نحن في آخر القائمة، فموريتانيا على سبيل المثال 111 دولارا ولبنان حوالي 60 دولارا، مرتبة الفساد 138 من أصل 180، نسب الفقر منافسة بشكل كبير، حسب آخر تقارير دولية أكثر من نصف الشعب اللبناني دون خط الفقر، أما على صعيد المؤسسات التجارية فأكثر من 50% ستقفل أبوابها.

غضب الشارع

هذا الغضب الذي نشهده اليوم هو إثر احتقان سياسي، اقتصادي واجتماعي، وقد أعطيت هذه السلطة الفرصة لإطلاق زمام المبادرة خلال عام 2020، ولكن للأسف ما حاولت أن تفعله هو  محاولة إعادة صياغة نفسها، ما أدى إلى ما وصلنا إليه اليوم، والشارع مستمر حتى حدوث مبادرة تشفي غليله، وهذه المرة محاولة شراء الوقت ستدفعهم الثمن أكثر لأن حتى بيئتهم الداعمة كفرت بالوضع القائم.

ليس تشكيل الحكومة فقط هو الحل، فنحن في مرحلة انهيار شبه كامل سنحتاج إلى جولات من الإصلاح وإلى عقد سياسي واجتماعي جديد يطور ممارسات الإدارة العامة

الطروحات السياسية

بيان بعبدا كان بلا لون وهو لذر الرماد في العيون ولحلول وهمية، هل محاربة التطبيقات الإلكترونية هي الحل في لبنان؟ مضحكة ومبكية الحلول المطروحة، المواطن ينتظر أكثر من ذلك بأشواط، ينتظر سلطة قوية وجريئة تعمل على إنقاذه ولا يريد حلولا نَصِفها بالترقيع أو بالحلول الجزئية.

الواقع السياسي

حزب الله متفرج ويحاول ربط النزاع بين حلفائه، وحتى المرحلة الحالية يمكن أن نقول إنه منتظر الضوء الأخضر إقليميا ليبدأ بفك النزاع، وهناك بعض المؤشرات تفيد بأنه بدأ بمسار حلحلة العقد بعد طرح التدويل من قبل البطريرك الراعي، حيث أصبح من مصلحته وجود حكومة أخرى لتمرير الوقت بشكل أفضل من سابقاتها، على أن يبقى الوضع كما هو عليه حيث من الممكن أن يخسر أكثر في بيئته الحاضنة.

حركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المردة يعملون على إضعاف قدرة عون والحد من قدراته، إضافة إلى تحجيم الوزير السابق جبران باسيل لأسباب مختلفة، منها تختص بالنفوذ المقبل، ومن الناحية الأخرى تختص بالانتخابات الرئاسية المقبلة.

تيار المستقبل بين نارين، انفجار الوضع داخلياً والحصول على دعم المملكة العربية السعودية في تشكيل الحكومة، حيث يحاول الرئيس الحريري أخذ الضوء الأخضر في ملفي تمثيل حزب الله واسترجاع الاعتبار بعدما حصل الغضب إثر التسوية الرئاسية.

حزب القوات يريد إسقاط العهد بأكمله، ويأمل بحدوث انتخابات نيابية مبكرة تمكنه من أخذ مقاعد أكثر، حيث لديه طموح بأن يصبح أكبر تكتل مسيحي ممكن أن يفرض قراره بشكل أوسع، وفي المقلب الآخر يحاول وراثة التيار الوطني حزب الكتائب لرفع أعداد مقاعده.

التيار الوطني الحر، الخاسر الأكبر جراء ثورة 17 تشرين، يحاول شد العصب الطائفي والعمل مجددا على مشهد المظلومية، كما كانت استراتيجية الرئيس عون سابقا بين فترة انتخابات 2005 وتوقيع ورقة مار مخايل، بتلك الاستراتيجية هناك محاولة لاستعادة الحاضنة المسيحية.

لكنه يعيش بين نارين في المرحلة الحالية، وجوده في السلطة وتحالفه مع حزب الله، من هنا يأتي قرار الوزير باسيل بعدم إعطاء الثقة إن شكل الحريري الحكومة، ونرى أحيانا بعض التمايز في الإعلام في موضوع حزب الله والحديث عن إعادة تقييم ورقة مار مخايل.

السيناريوهات المقبلة

واهم من يعتقد أن غضب الناس يمكن أن تمتصه خطابات وشعارات وقرارات وهمية، وواهم من يظن أنه يمكن تخوين الناس. فنحن سنتجه إلى سيناريوهين لا ثالث لهما، الأول استمرار غضب الناس والذهاب نحو فوضى لا نعلم مدى حجمها وما يمكن أن تكون نتائجها، والثاني تشكيل حكومة في وقت قريب وإجراء تسوية تسحب الواقع المتردي من عنق الزجاجة، أو على الأقل تهدئ الأمور في ظل غياب أي دور للسلطة في المرحلة الحالية. لكن ليس تشكيل الحكومة فقط هو الحل، فنحن في مرحلة انهيار شبه كامل، سنحتاج إلى جولات من الإصلاح وإلى عقد سياسي واجتماعي جديد يطور ممارسات الإدارة العامة.

دلالات