الجندي الأميركي الذي نادى لحرية فلسطين

الجندي الأميركي الذي نادى لحرية فلسطين

28 فبراير 2024
+ الخط -

في خضم الإبادة الجماعية التي يعيشها أهل غزّة، تُختبر حدود الإنسانية وتحدّيات الأخلاق في زمنِ الحرب. فالجندي الأميركي، آرون بوشنيل، الذي ضحى بحياته رفضًا لهذه الجريمة التي تشارك حكومة بلاده فيها، كان دافعه البحث عن العدالة في وقت أصبحت فيه الإبادة الجارية ضد أهالي غزّة معتادة، والانتهاكات الإنسانية جزءاً من الروتين اليومي.

الحرية لفلسطين كانت مطلبه الذي آمن به، فقدّم حياته ثمنًا لإيمانه. لم يجمعه مع أهل غزّة دين، ولا لغة، ولا عرق، ولكنه آمن بأنّ الإنسانية تجمعنا. وهو، بموقفه المؤثّر هذا، أعاد إلى الأذهان القيم الإنسانية العظيمة التي تتجاوز الحدود والانتماءات الوطنية، مؤكداً على أنّ العدالة وحقوق الإنسان يجب أن تكون فوق كلّ اعتبار.

ما يثير الدهشة والألم في الوقت نفسه، أنّ هذه الحادثة جرت في ظلّ استكانة الشعوب العربية وأنظمتها، وفي عصر يكون فيه الصمت مبرّراً للانتهاكات وغطاءً لها. هذا الجندي، الذي خاطر بحياته، ليقف إلى جانب الحق ويدعو إلى الحرية لفلسطين، يدفعنا للتساؤل عن أبناء جلدتنا، أخوة الدين والدم واللغة، حيث أقام آرون اليوم الحجة على الجميع. فأين أصواتكم؟ أين احتجاجاتكم؟ أين غيرتكم؟

كما ذكرني آرون اليوم بالأمس القريب، عندما رفض الشاب التونسي، محمد البوعزيزي، ظلم وجبروت طغاة بلاده، فألهم بفعلته اليائسة ثورات عربية شاسعة. كلاهما، البوعزيزي وبوشنيل، يعيدان إلى الأذهان قوة الفرد في إحداث التغيير وإلهام المجتمعات للانتفاض ضد الظلم والاستبداد.

 أشعل آرون نفسه ليرينا بأنّه حتى في أحلك الأوقات، يمكن لفعلٍ شجاع من فرد واحد أن يلهم جيل بأكمله للنضال من أجل الحرّية

إنّ الموقف الذي اتخذه آرون بوشنيل، والدافع الذي حرّك البوعزيزي، يبرزان أهمية الإرادة الفردية في مواجهة الظلم والسعي نحو الحرية، في حين يبدو فيه اليأس مسيطرًا. إنّ الكفاح من أجل العدالة والحرية يمكن أن يتخذ أشكالاً متعدّدة، بما يعني أنّ الصمت جريمة وطرق المقاومة متنوّعة ومتعدّدة.

لا أقول أشعلوا بأجسادكم النيران، بل أقول أطلقوا أصواتكم التي خزنتموها، أليس اليوم يومها؟ أليس الزمان زمانها؟ لتخرجوا إلى شوارعكم، انصبوا خيمًا في ساحاتكم كي ندفع المجتمعات العربية والعالمية للنظر إلى عمقِ هذه الجريمة الجارية، ولنعمل معاً من أجل عالم أكثر عدالة وحرية.

حرية فلسطين، ليست مسؤولية فلسطينية فحسب، إنّها مسؤولية جماعية، عالمية، تتطلب الشجاعة والتضحية. فآرون أشعل نفسه ليرينا بأنّه حتى في أحلك الأوقات، يمكن لفعلٍ شجاع من فرد واحد أن يلهم جيل بأكمله للنضال من أجل الحرّية.

تقوى نضال أبو كميل
تقوى نضال أبو كميل
باحثة سياسية، حاصلة على درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولة، وتعمل حاليًا كباحثة في مركز الإسلام والشؤون العالمية (CIGA). تتركز اهتماماتها البحثية الرئيسية على نشاط حقوق الإنسان والسياسة في الشرق الأوسط، السياسة الانتخابية. تعرّف عن نفسها، بمقولة غسان كنفاني "أنا من شعب يشتعل حبًا، ويزهو بأوسمة الأقحوان وشقائق النعمان على صدره وحرفه، ولن أدع أحدًا يسلبني حقي في صدقي".