وُجهة فلسطين في اللحظة العسيرة

وُجهة فلسطين في اللحظة العسيرة

04 يونيو 2014

الحكومة الفلسطينية الجديدة مع محمود عباس (Getty)

+ الخط -
ربما تكون المقاربة المطروحة بالاختزال الشديد، حول التدبير المتعلق بالأمن، من بين الكلام الذي قيل، في مناسبة تأدية الحكومة الفلسطينية، الانتقالية الوفاقية، اليمين أمام الرئيس محمود عباس؛ واحدة من أساليب الطمأنة والتودد للجوار العربي. فكأن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اتبعت، هنا، منطق الحاوي الذي يُري المتوجس، ما يظنه أفعى سامة، ليؤكد له أنها في كنفه، لا تعض ولا تختزن سُماً. فقد قيل إن الأجهزة الأمنية الفلسطينية قاطبة ستُعاد هيكلتها بمساعدة مصر، وصولاً إلى فتح ذلك العصيّ المستغلق الذي يسمونه "المعبر". هنا، يحق لنا أن نستعيد ما قلناه، عندما انهال الإعلام المصري على "حماس"، يتهمها بالهجوم الشامل على مصر، فكتب العبد لله في الصحافة الفلسطينية، مراراً، ما اسثتار حفيظة بعض المزاودين عليه من حركته "فتح"، إذ أكد على أن الاتهامات لا أساس لها من الوجهة العامة.
وفي ذلك السياق، عدّدنا البراهين، منها ما يتعلق بمنطق الحسابات المجردة وميزان القوى ومخاطر التدخل من الجانب الفلسطيني في الأحداث المصرية، ومنها ما يتعلق بالسيكولوجيا الفلسطينية، والوشائج العائلية بين الفلسطينيين في قطاع غزة وأهل مصر. وقلنا إن الفلسطيني لا ولن يتقبل إيذاء المصريين، الذين يَعمُر قلبه بمحبتهم وبالعرفان لفضل مصر بمعيار ذاكرته الوطنية. فقد حدث ما حدث، في "كامب ديفيد" في العام 1978، عندما أبرم أنور السادات الصلح المنفرد بين مصر وإسرائيل، وكانت بوابة قطاع غزة مفتوحة على مصر، على مدار السنة والساعة، ولم يُسجل على فلسطيني واحد أنه تعرض للأمن المصري، لأن الموقف السياسي، مهما اختلفنا فيه مع مصر، لا يدفع، أبداً، إلى المساس بأمن الأشقاء المصريين. وللأسف، وجدنا بعض من أخذتهم الخصومة إلى بعيد، وهم من الفاقدين لمعرفة التجارب في التاريخ، فضلاً عن عدم معرفتهم طبيعة ردود الأفعال المؤكدة من الإعلام المصري في مثل هذه اللُجج، ولطبيعة اللغة التي ستشمل الفلسطينيين جميعاً، وتحث على كراهيتهم، وعلى تسفيه قضيتهم.

وقد نبهنا من انزلقوا إلى تأييد الاتهام الإعلامي المصري لـ"حماس" بالضلوع في جريمة قتل الجنود المصريين الصائمين في شهر رمضان قبل الماضي؛ أنهم يفتحون على الشعب الفلسطيني، قاطبةً، لا على "حماس" وحدها، نار جهنم، ظلماً واعتباطاً. قلنا لهم إن مدرسة موسى صبري وإبراهيم سعدة وأنيس منصور، وسواهم، لا تزال ماكثة في ثنايا الإعلام المصري، وهذه مدرسة جعلت الفلسطينيين الظلمة الذين باعوا بلادهم، ثم طاردوا المشتري ومارسوا "الإرهاب" ضده. اليوم، نحن مضطرون إلى قطع المسافة في الاتجاه المعاكس، لتعيين الفارق بين رأي سياسي لجماعة من بيننا، بشأن ما جرى في مصر، وبين أن يكون الفلسطيني قد اقترف، أو مستعداً لاقتراف جنايات ضد مصريين أبرياء من المجندين، أو من عابري السبيل، أو حتى من القائمين على الأمر!

تصادف أيامَ تلك الاتهامات التي انساق معها بعضنا بدافع الخصومة، أن آلاف الفلسطينيين كانوا حصلوا حديثاً على الجنسية المصرية، ليس من باب الأعطيات للفلسطينيين، وإنما لدواعٍ دستوريةٍ، اقتضت إنصاف المرأة المصرية، ومنحها الحق كالرجل، في إعطاء أبنائها الجنسية المصرية. وربما يكون بعض الذين حصلوا على الجنسية سارعوا إلى الانخراط في المشهد السياسي المصري، لممارسة مصريتهم، وكانت لهم ميولهم الإسلامية!

الآن، بات على حكومة التوافق الانتقالية أن تعبّد الطريق إلى مصر من جديد. وسيكون سهلاً عليها، فتح المجال الأمني الفلسطيني لجهاز المخابرات المصرية، بالمعنى التقني والتنظيمي، الذي سيُنشئ انطباعاتٍ عن العقيدة الأمنية التي لا يملك الفلسطينيون سواها، ولا يعترض عليها المصريون. فليس للفلسطيني أية معركة خارج الأراضي المحتلة والمحاصرة، سوى مواجهة أبغض وأعتى وآخر احتلال عسكري في العالم.     

إن أية خطوة فلسطينية في اتجاه الإقليم والجوار العربي لن تستمد صدقيتها إلا من خلال مراكمة عناصر النصاب الدستوري، ومن خلال تفعيل مؤسسة الرقابة والتشريع، وإعمال مبدأ المساءلة، وتعزيز المنظومة القضائية، لكي تساعد بنزاهة، في حل قضايا مجتمعية عالقة، ولكي يصبح صعباً على أي طرف العودة عن خطوة المصالحة، ولكي يكتسب الموقف الفلسطيني الوطني صدقيته، من خلال اتساع قاعدة التمثيل واتساع دائرة التشاور، وبتوفر الضمانات الكفيلة بانسجام، والقوانين والقرارات مع المرجعية الدستورية.

يمكن القول إن الإعلان عن الحكومة، مع الإصرار على المصالحة، هو الخطوة الجريئة الأولى، على طريق طويل. ويطمح الفلسطينيون إلى الوصول إلى حال، يستطيعون فيه رفع سقف خطابهم السياسي، مستندين إلى صلابة الموقف الوطني، لكي يُقال لنتنياهو عندما يعترض على "حماس" إن الاعتراض الأوجب، هو على ضم حكومتك متطرفين مهووسين، لا علاقة لهم بدنيا البشر الأسوياء.