وزير تونسي سابق: وضع الاقتصاد كارثي وهذه شروط الإصلاح

13 نوفمبر 2014
وزير المالية التونسي السابق، حسين الديماسي (خاص/العربي الجديد)
+ الخط -
للحديث عن المشهد الاقتصادي التونسي وطرح رهاناته المستقبلية التي ستخوضها الحكومة المقبلة، وبسط بعض المقترحات لتجاوز الأزمة الاقتصادية، كان لـ "العربي الجديد" حديث خاص مع وزير المالية السابق بحكومة حمادي الجبالي، الخبير في الاقتصاد التونسي، حسين الدّيماسي. وإلى نص المقابلة:

* لو تمدّنا بقراءة مُختزلة لأهم مظاهر الأزمة الاقتصادية بتونس في علاقتها بالأزمة الأوروبية خاصة؟
مظاهر تأزم الاقتصاد التونسي وارتباكه كثيرة. دعيني أختزلها في ثلاثة مؤشرات كبرى ذات دلالات جليّة. أولها تراجع النمو، ففي السنوات العشر السابقة للثورة (ديسمبر/كانون الأول 2011)، كنّا نحقق تقريبا نسبة نمو تقارب 4.5% سنويا، واتخذ الاقتصاد منذ 2010 منحى بطيئا جدا، وصل بنا إلى تحقيق نمو سلبي بلغ في 2011 -1.8% في حين أن تونس لم تسجل مؤشرات سلبية منذ الاستقلال، سوى مرتين، الأولى سنة 1986 والثانية في سنة 2002.
المؤشر الثاني هو عجز الميزان التجاري الذي وصل؛ ولأول مرة في تاريخ تونس المستقلة إلى مستوى عجز لا يُطاق. ففي 2010 كان العجز يقدر بـ 3.2 مليار دينار (1.75 مليار دولار) بينما بلغ في 2014، 10.4 مليار دينار. أما المؤشر الثالث، فهو عجز ميزانية الدولة الذي ما زال مرتفعا للغاية والذي بلغ في 2013 نحو 7%.

*ماهي، حسب رأيكم أسباب هذا الاختناق الاقتصادي في تونس؟

بالنسبة لارتباك معدلات النمو، فإنه مرتبط بعديد المعطيات الطبيعية التي لا سلطة لنا عليها، وأقدم لك على سبيل المثال نضوب الطاقات الأحفورية وغياب الاستكشافات النفطية، ولكن أيضا هناك أسباب عالمية وأسباب سياسية واجتماعية داخلية على غرار ضعف السلطة، والخوف مثلا من الاتهامات النقابية والشعبية القائلة ببيع الدولة للمستثمرين الأجانب، خاصة في مجال المحروقات. هذا بالإضافة إلى تردّي نمو الاتحاد الأوروبي، الحليف الصناعي والسياحي الأساسي لتونس الذي يؤثر تأثيرا سلبيا مباشرا على تونس. فصادراتنا الصناعية لأوروبا التي كانت تضم النسيج والأحذية وقطاع الميكانيك، أصبحت تقتصر تقريبا على تصدير مركبات السيارات، في حين تراجعت كل الصادرات الأخرى.

* وما مدى تأثير الأزمة الليبية على الاقتصاد التونسي، خاصة وأن تونس كانت تجمعها علاقات اقتصادية وطيدة بهذا القطر الشقيق؟
بالنسبة لارتباك الوضع في جارتنا ليبيا، فإن انعكاساته ليست بفظاعة انعكاسات تردي الوضع الأوروبي. فخلافا لما يُروج له البعض، لم تتراجع الصادرات لليبيا بشكل كبير، وإن سجّلت بعض التراجع الحتمي نظرا للوضع الأمني والسياسي.

* حدثتنا عن أسباب تردّي الوضع الاقتصادي السياسية والخارجية، ولم تحدّثنا عن الأسباب الاجتماعية التي تبدو محدّدة أيضا للأزمة، أليس كذلك؟
بالتأكيد، فالمناخ الاجتماعي المتسم بالاضطراب، والذي طغت عليه الاعتصامات والإضرابات العشوائية، واتسم بالعنف طيلة أربع سنوات مسّ بشكل أو بآخر بالمؤسسات الصناعية. ولعل القطاع الأكثر تأثّرا من هذا المناخ، هو قطاع المناجم. فالحوض المنجمي (جنوب غرب تونس) طيلة السنوات الأربع المنقضية مشلول كليّا أو يكاد. والمصيبة هنا أن سعر الفوسفات بلغ معدلات ممتازة، ولكن الإنتاج منعدم ولن يتجاوز في نهاية هذه السنة خمسة ملايين طن.

* إذا أنتم ترون المشهد الاقتصادي التونسي اليوم قاتما نوعا ما؟
بل هو شديد السواد مع الأسف. فعجز الميزان التجاري مرتبط مباشرة بنسق النمو. وتوقف المناجم وتراجع إنتاج المحروقات وكثرة الاعتصامات يؤثر وبشكل جليّ على التصدير. ويقابل تردي نسبة الصادرات وتراجع الإنتاج ارتفاع نسبة الاستهلاك والواردات. أما ميزانية الدولة فإن عجزها يعود بالأساس إلى ضخامة نفقات الدعم التي تصل إلى 4.5 مليار دينار، يُضاف إليها 1.5 مليار دينار مُسجلة كمنحة للشركة التونسية للكهرباء والغاز (حكومية) ولكنها في الحقيقة تعتبر ضمن نفقات الدعم الموجهة للشركة مباشرة من خزينة الدولة، في وقت لا تتجاوز فيه نفقات التنمية 4.5 مليار دينار، أي أن نفقات الدعم يبلغ حجمها مرة ونصف حجم النفقات الموظفة للتنمية.

* حسب هذا التقييم المخيف حقيقة، فإنه على الحكومة القادمة أن تتسلّح بعصا سحرية لتجاوز ما وصفتموه "بالكارثة"...
الحكومة القادمة سوف تجابه موروثا ثقيلا جدّا، والإشكال هو أن إصلاح هذا الوضع يتطلب إجراءات في كثير من الأحيان مؤلمة أشدّ الألم بالنسبة لكل الفئات. أعطيك على سبيل المثال إصلاح منظومة الدعم الذي سيمس بعض الفئات الاجتماعية والإجراءات التي اتخذت في الغرض غير سهلة التفعيل، والدليل أنه في إيران والبرازيل وإندونيسيا حاولوا توجيه الدعم لمستحقيه وفشلوا في ذلك.
وأسوق لك مثالا آخر متعلقا بالحوض المنجمي الذي بقي نشاطه جامدا، ولا يمكن للحكومة أن تبقى في موقع المتفرج السلبي.
وإن تخلّت عن السلبية فإن تدخلها سيكون مؤلما، خاصة وأنه اتضح أن المسؤولين فشلوا في الإقناع، وأن سياسة العنف لم ولن تكن مجدية. والقانون التونسي يسمح في هذه المجالات الحيوية المهمة بانتهاج ما يسمى بـ "التسخير"، أي تسخير الجيش أو غيره لمباشرة الإنتاج بالحوض المنجمي.
والتسخير ممكن في مجالات أخرى، مثل الصحة العمومية التي إن قررت هياكلها النقابية تنفيذ إضراب، فإن الدولة من حقها تسخير الجيش لمواصلة نشاط المستشفيات العمومية. وهذه ليست مقترحاتي، وإنما هو بسط لأهم التحديات الراهنة التي تفترض إجراءات عاجلة، وفي كثير من الأحيان مؤلمة؛ لأنه لم يعد لدينا هامش للارتباك والتبذير والخسارة.

* إذا هل سيتمكن الطاقم الحكومي القادم من رفع هذه التحديات الصعبة والمؤلمة كما قلتم في ظل هذا الكمّ الهائل من العراقيل؟
رغم دقة الوضع فإن الحكومة القادمة بإمكانها وضع اقتصاد تونس على طريق الانفراج وليس إنقاذه تماما، فالأمر أكثر تعقيدا مما يتصوره البعض. وكي تخطو خطوات هامة في هذا التوجه عليها أن تلتزم أشدّ الالتزام بشرطين اثنين. أول الشروط متعلق بتركيبة الحكومة التي لا يمكن أن تشابه تركيبات الحكومات السابقة التي لم تتماشَ مع طبيعة الوضع الراهن. وكي تتماشى معه، يجب ألا يتجاوز عدد الوزراء 15 عضوا. ثانيا، لا بدّ أن تكون لهم قدرة كبيرة جدّا على الإقناع بالإجراءات الإصلاحية التي أكّدت أنها جارحة.
ثالثا، بعد التقييم والإقناع واتخاذ القرار، لا بدّ أن يتحلوا بالشجاعة وأن يكونوا مصممين على مواقفهم، وألا يتراجعوا عنها مهما كانت الظروف. فالارتباك والتردد الهدّام، مصيبة أخرى عانى منها اقتصادنا طيلة أربع سنوات.

* لكن هذا الشرط صعب المنال في ظل وجود هيكل نقابي عريق، وأثبت منذ زمن "بن علي" (الرئيس السابق) قدرته على تجنيد أتباعه كلما اتخذت الحكومات السابقة إجراءات "مؤلمة" بهذا الشكل.
فعلا. فالشرط الثاني الذي كنت سأسوقه لك هو حسن التعامل مع الأطراف الاجتماعية، وبالخصوص النقابات العمالية. ودعيني أؤكد لك أنه لو واصل الاتحاد العام التونسي للشغل على ما هو عليه اليوم، فأقسم لكم أن تونس ستتعرض لانهيار شامل لن تستطيع أن تنهض بعده.

* لنكن بنّائين، كيف للاتحاد العام التونسي للشغل أن يلعب دورا إيجابيا للنهوض بالاقتصاد التونسي؟
على الحكومة القادمة أن تجد السبل لإقناعه، ولا تسأليني كيف ذلك فهذا ليس دوري شخصيا، بل دورها هي. وأما عن الاتحاد فعليه أن يدخل في استراتيجية كنت قد اقترحتها عليه منذ ثلاث سنوات. كنت قد أكدت لهم أننا اليوم في تونس في وضع مختل ومتأزم وخارق للعادة على جميع المستويات، وعلينا أن ننتهج طريق الإنتاجية ثم نمرّ إلى المطلبية وليس العكس. وهذا المقترح استلهمته من تجارب دول أخرى انتهجته ونجحت فيه.

* لو التزمت الحكومة بهذه الشروط المُقترحة، ولو وافق الاتحاد العام التونسي للشغل على الانصهار في هذه الاستراتيجية الإنقاذية، ففي كم من الوقت تقريبا ستتجاوز تونس الأزمة الاقتصادية؟
ليس أقل من سنتين على أدنى تقدير. ولكن ليس لتجاوز الأزمة، بل لاسترجاع الأنفاس ووضع القطار على الطريق الصائبة.
المساهمون