وثيقة محمد علي

وثيقة محمد علي

26 يناير 2020
+ الخط -
في 28 ديسمبر/ كانون الأوّل، أطلق المقاول محمد علي (ابن الجيش) كما يسمي نفسه، وثيقة قال إن كل أطياف المعارضة السياسية المصرية بالخارج قد شاركت في وضعها؛ أيَّدتها بعض القوى ورفضتها أخرى، لكنهم جميعاً دعموا دعوته في 25 يناير لثورة ضد النظام الانقلابي في مصر. تلتف القوى السياسية حول دعوة محمد كواجهة لجناح الجيش المعارض، وليس باعتباره قائداً لثورة.

ضمت وثيقة محمد علي بنوداً تضمنها دستور 2012 من قبل؛ حيث حوت خطوطاً رئيسية عن العدل وسيادة القانون وتعزيز حق المواطنة واحترام حقوق الإنسان، وضمان حرية إنشاء الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني غير الحكومية وإدارتها، وإعادة هيكلة علاقة الدولة مع المؤسسات الدينية كافة، وتفعيل مشاركة المرأة، والعدالة الانتقالية ضمانة لتحقيق المصالحة المجتمعية، والحفاظ على الاستقلال الوطني الكامل ورفض التبعية.

اعتمد محمد علي في دعم وثيقته على عاملين: أولهما، موافقة جماعة الإخوان المسلمين على مبادرته، بعد أن جرب تجاهلها في حراك 20 سبتمبر، فلم تشارك فيه وظهر باهتاً، فعدّل مساره، وتواصل معها ليحصل على التأييد؛ والعامل الثاني، هو تأكيد نقطة علمنة الدولة التي عبّر عنها بكلمة "المدنية" ليتهرب من المواجهة الشعبية للمضمون. وافق الإخوان على مفهوم المدنية بمفهومهم الإسلامي، فالإسلام ليس فيه حكم ديني ثيوقراطي كما يروّج مَن يخلط بين التاريخ الكنسي في العصور الوسطي والتاريخ الاسلامي، أو كما روّج أنصار الثورة المضادة في مصر حين أرادوا أن يُسقطوا رئيساً ذا مرجعية إسلامية. أما محمد علي، فيتحدث عن المدنية بمفهوم أن التشريعات الإسلامية تناقض التمدين، وقال إنه سيترك الأمر للشعب ليقرر، وإنه يجوز الاختلاف مع وثيقته، إلا أنه عاد وأكد أنها ستكون ضمانته حين يعود إلى مصر! وكأنه يحاول أن يكسبها شرعية بليّ عنق المعنيّ! لم يعلن علي الفريق الذي عاونه في وضع وثيقته التي لم يتمكن من استفتاء الشعب عليها، ومع ذلك يعتبرها ورقة عمل، واتفاقية مختومة بالقبول. وهنا يجب التأكيد أن المفهوم مختلف لدى الطرفين، حتى لا نجد من يصرخ يوماً أن الإخوان خانوا عهدهم كما حدث من قبل.

بالرغم من اعتراف محمد علي بأن هناك انقلاباً حصل على الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، إلا أنه يصرّ على محو الفترة من 2012 إلى 2013، وترسيخ فكرة أن مصر لم تمرّ بتجربة ديمقراطية. فهو يسقط من الذاكرة تقدم عدد من المرشحين ببرامج لرئاسة الدولة، وحدوث مناظرات قوية بُثت عبر شاشات الفضائيات، واختيار الشعب لرئيس فاز بنسبة 52%، وانتخاب مجلسي شعب وشورى، واستفتاء حول دستور بنسبة 64%، وأن حكم مرسي لم يكن ديكتاتورياً، بل ديمقراطياً.

ينفي علي أنه اعتمد على مجهود آخرين، ولم يذكر أنه لولا آلاف الجثث التي سحقها الانقلاب قتلاً وإعداماً وتصفية، ولولا أصوات صدحت بالحق من قبله، لما استطاع هو أن يتحدث باسم الشعب! استخدم محمد علي مفردات السيسي نفسها حين اعتبر الوثيقة تفويضاً ليصبح هو المتحدث الرسمي باسم الثورة مع الجيش حين يزيل الشعب الانقلاب. شرح علي خططه المستقبلية بعد نجاح ثورة يتحدث باسمها من الخارج ويهبط عليها زعيماً كما فعل محمد البرادعي من قبل. 

أعلنت جماعة الإخوان في بيان متعقل لها أنها ستكون مع الشعب لن تتقدمه ولن تتأخر عنه، في إشارة إلى أنها لن تُستدرَج ليُدفَع بأبنائها للتضحية بهم. كذلك أعلنت باقي قوى المعارضة النزول في الخامس والعشرين من يناير، لا يجمعها سوى إزاحة نظام السيسي. وهذا أمر لا ينبئ بخير، فما زالت الجروح لم تطهر، ولا توجد أرضية اصطفاف، وما زال الطرف الذي شارك في الانقلاب يمزق الطرف المنقلب عليه! كيف يعقل أن تفشل القوى الثورية في الاتفاق لمدة تسع سنوات، وأن تتفاهم حين يجمعها ميدان واحد؟ كيف يتصور أن يتكاتف من انقلب على نظام ديمقراطي وقتل أنصاره مستعيناً بالجيش، مع أهالى القتلى؟ أي مستقبل يمكن أن يرسم بهذه الأقلام المكسورة؟

إن التعتيم على بريق نجاح التجربة الديمقراطية في مصر بعد ثورة يناير لمصلحة القوى التي شاركت في انقلاب يونيو والتي تطالب الآن بحرية وديمقراطية، يجعلنا نتساءل: ما نوع الديمقراطية التي ينشدونها؟ وهل هذا التعتيم مطلوب، لتظل الصورة الذهنية الشعبية المشوهة عن الإخوان كما هي، حتى يسهل استبعادهم فيما بعد عن المشهد السياسي؟

يعلن محمد علي حراكاً ثورياً، ويطمئن الناس إلى أن هناك خبراء أعدوا له، وفي الوقت نفسه يخرج وائل غنيم، أيقونة ثورة يناير، ليعتذر لنظام مبارك الذي ثار عليه، ويعلن تأييده لنظام السيسي الذي انقلب على نظام ديمقراطي وليد كان مكتسباً لثورة يناير التي كان هو أحد شبابها، ويطالب الشباب بعدم النزول في 25 يناير، ويخوفهم من المصير. يخرج غنيم في مقابلات تليفزيونية وإلكترونية في حالة من الهياج توحي بأنه يشعر بهزة سياسية ما.

قد ينذر هذا الجو المشحون بنهاية النظام الانقلابي، أو قد ينتهي إلى لا شيء. لكن ما لا شك فيه، أن كل حراك يحدث يهزّ عرش المنقلب، ويزيد الثورة اشتعالاً في الصدور، ولا شك أيضاً أن كل ليل يتبعه نهار، وأن لكل ظالم نهاية ولو بعد حين، فلنتابع، وإن غداً لناظره قريب.

دلالات

7048540C-B765-4399-A999-CB7869F215E2
رانيا مصطفى
باحثة مهتمة بالتاريخ والسياسة والأدب والعلوم الإنسانية. تقول: كل فكرة فى مقال ماهى إلا رسالة فى زجاجة ملقاة فى بحر تتقاذفها أمواج الأيام حتى تصل إلى من يهمه الأمر