هو اليوم العاشر أخيراً

31 يوليو 2017
(من قراءة الشاعر في مهرجان مديين الكولومبي هذا الشهر)
+ الخط -

عطر الموت

الموت:
عاصفة صغيرة وجيزة.

الموت:
صدْعٌ في صخرة
مصيدةٌ حسّاسة

الموت:
أُختيّةُ وهلاتِ الصمت
أسرجة ليلٍ في عرس
وجنادب بغرائز قتلٍ
حقول مالحةٌ
ومنصّاتُ مدافعٍ رشاشةٍ مهجورة

الموت:
إجلاء عفاريت
بتراء
وأوامر صارمة
بإيواء البنات

الموت:
أني لم أكتفِ منك بعدُ
واليوم وغداً
ثمة العزلة الكبيرة.

■ ■ ■


Timeo Danaos et dona ferentes

مَن له أن يكون شاعرَ
الحكمةِ الساخرةِ الأخيرة؟
فليُعَلَّقْ
مِن رجْعِ غنائيته المتغطرسة!
سيمرُّ منظِّفو الشوارعِ
المذهولون بجسده الميتِ
عند أعمدة الضوء في براغ
وطبقاتٌ تغطي كعبيه-
طبقات الشموع
التي خلفتها مظاهرات الطلبة؛

ريحٌ صرصر
أذهبتْ بآخر الآمال
بين حبيبين
وهما ينفضان
ورق البردي التي خُطّت عليها
المراسيم التشريعية لجمهورية فايمار؛

يتأرجح مؤشّر داو-جونز
كعضو ذكريّ، يشبه السيفَ،
مُسلَطٍ على العنق؛
كم من السذاجة
ستفيق عليها إيليريا
"في نيّة الكاهن - الثاني في الترتيب -
السفرَ براً
إلى سالونيكي.
من فضلكم تأكّدوا
من حُسْنِ تدبير راحته وسرعة رحلته
بالإضافة إلى الاستقبال اللائق".

الملاذ الأخير حين تسوء الأحوال
هو عنوان البرقية الأخيرة
أو مرة أخرى أوبرا موسيقا الروك
التي حضرتها الملكة إليزابيت
إذ من "بريطانيا"
وحدها كانت المقابض المذهّبة تطفو على السطح.

و"Timeo Danaos et dona ferente"
احذروا اليونانيين حاملي الهدايا
قد أنذرتُكم!

■ ■ ■


محاربون قدامى

1
بنسورٍ من كاسراتِ العظام
- نوع آيل للانقراض
مثل ضمير الكومنينيين -
آلَ البرونز أخضرَ باهتاً دون أرديةٍ
مكللةٍ بالمجد
وسيوف تتدلى عن العواتق

- نوع يبحث عنه
طلاب علم الآثار-
ذوو النظرة المتفرسة، اليقظون
المسكونون بالكشف غير المأخوذين
بالمال في جيوبهم وبالتبغ
الذي سيرافقهم حتى الموت.

تأخذهم القواربُ جيئة وذهاباً عبر البحيرات
فوق المدن الدفينة
والضفادع المسحورة
مثل ألوية جيشٍ على أُهبة الاستعداد
تصرخ وقد تخصّبتْ
بالتاريخ؛
صيحات حربٍ مموّهةٌ
ورسائل من أغانٍ بطولية
-انتظروا مجيء اللحظةِ
حين نستلُّ السيوف من أغمادها
فقط انتظروا!
نسوة بأحشاء تهتّكتْ
ونُواح تناثرَ أنّى نظرتَ
أسنانٌ خرِبة
وجنات نالتْ منها الصفعاتُ
وأذلّها الانتظار
فانقروا أوتارَ
الماندولين اللامرئية


2
مرتزقة غرباء
يعبّون الشمبانيا
ويُصدرون الأوامرَ
بالهواتف المحمولة.

رحَل غينسبرغ
قد مضتْ على وفاته أشهر ثلاثة
وهونغ كونغ
الآن بيد بكين
"هتلر يسكن في كاليفورنيا!"
سيصرخ جيم موريسون
ويعود كينغ الأبله
إلى جنوب أفريقيا.


3
تغطّى قبر أبوللينير
بالعشب في مكان ما من باريس
وعظامُ "تْشي"
أُعطيتْ لـ أليدا
ولم يبقَ في فيامارتي
إلا قالَبُ الجص

وهكذا أدعو أصدقائيَ -
أصدقائي السورياليين وحبيباتهم
- مهرات بيضاوات في الرسومات الإغريقية -
الربّات الصغيرات الناحلات
وإناث الكُرومِ أبديات العذرية.
أرفع الكأسَ، أصيحُ، في صحّتكَ يا موتنا في المنام!
وفي صحة كل البناتِ
اللائي أحببنا
في أصيافِ دروس الفرنسية
وملءِ الألبومات زهرية اللون تلك.


4
هو اليوم العاشر أخيراً
- النقطة آخر السطر -
أجدني ممتطياً
صهوةَ وحشٍ بحريّ مَطليٍّ
مُزيَّن بطحالب أرجوانية
وتحفّ به أبقارٌ من بنات الشمس
تُشبه ثمرات خيال هوميروس
وكان هناك
الأفق يذوب ويتبخر
كي يرتفع من جديد غائمَ التجلّي
كعمود من الملح

ينتظرني
المجذومون والمشلولون
على شطآن العزلة
ومعهم حوريات البحر البغايا
ويسألوني
إن كان فان غوخ يتذكرهم

تتسلق
الميدوزاتُ الأرضياتُ
أغصانَ السنديان والصنوبر
مع ماضٍ محكومٍ بالجحيمِ
دفنَ أساطيراً عصيةً عن الوصف
ملتهماً طيورَ
السماوات الثلاث.
متى يتسنى لي أن أزيّن
درعي بك
فأُرهب وأتمرد
على عشيقاتي
اللواتي خصينَ آباءكم الملتحين
والسادرين
في حيواتكم السابقة.

الأرتميسات اللواتي حقّتْ عليكن اللعنة
لأنكن اعترضتن طريقي
في ممرٍّات مسكونة
بشواهد قبور تتوّجت بصلبان
وعرائسِ بحر تيتّمنَ
- بشّرهنّ أخوهن
بالزواج في أرض أجنبية.
من أيّ برجٍ
ألقتْ أميرةُ سبينالونغا
بنفسها، أتساءلُ،
ولا يزال بوسعي أن أسمع المياهَ
تجري آتيةً من قمم الجبال
لكي تروي عطشكن؛

كم من عشاقٍ متوسّطيين
ألقوا السلامَ عليَّ
حين عبرْتُهم
بأشرعتي الحمراء الزاهية
وكم من غجريّ ينقش على النحاس
حيّاني وبشّرني
ببراءتهم
لعلّه كان يقصد
تحللهم من التاريخ؟
في نهاية الأمر لم أستطع تطويعهم في مسيري.

كان عليّ أن أرسوَ
في كريت
حين شهدتُ
جنازةَ سلفادور دالي المتخيَّلةَ
مع فِراخ الملائكةِ
الذين وُلدوا
من بَيضٍ عملاق
ثم ليطيروا إلى آفاق بعيدة،
وفاكهةٍ تُقدَّمُ بقبّعات القَشّ
لخمسة آلاف شابٍّ
وبنتٍ
يُبدعون خطوطَ الزخارفِ على الزجاج.

ألوان قزحية وسربُ دلافين
بصوتها البشري
-جرةٌ ضاعت في البحر
هي كلّ الطقس الذي أعددتُه ترحيباً بقدومي.

ما كان
ينتظرني حقاً
هو مشهد "ظلال الندى" الوجيز
منتصفَ الظهيرة الحارقة
جميلة حقاً أغاني الريزيتيكا بالأصوات الخشنة
النبيذ يقدَّم مع نغمات الجواب
ويتردّد صدى الأدوات الموسيقية المعدنية
كحجر معدني أزرق بلون السماء،

هنا، عند نهاية قصباتي الهوائية.


5
الذكريات حافلةٌ
بقراصنة البحر الأدرياتيكي
والبدو الذين
يقشرون الرمان بأسنانهم.

مُستَلْتِنون متعصبون
مبعوثو البابا في آفينيون
يدفنون بعد قرون
جثمان راهبةٍ في كالكوتا.

صيحات حربٍ وقعقعة
تجلجل في أبولونيا
وإيبيدامنوس البلدةُ
من نيسيبار الكبرى.
نسوةٌ نبيلات بعنَ
مصاغهن
في ليلةٍ واحدة
على رصيف الميناء
كي يجدن سفينة؛
ولم تدرِ أيّ منهن
أن العثمانيين
قد عبروا طريقَ إغناتيا
في حين كان السلافيون
يُعمَّدون في الأنهار
بالآلهة البلوطية
والطواطم الخشبية
الطافية على نهر الدانوب.

في هذا الشتاء
سنتبادل الأكاذيب
مع العساكر الفرنسيين.

مع بداية الحرب العالمية الأولى
تعرفتُ إلى سيفيريس
وكان يمسّد بيديه
ورودَ الكوريستا
بينما ينتظر الجميع
بين لحظة وأخرى
بيانَ تشرشل.

فليكنِ الربُّ بعون أولئك
الذين سيواجهون الصواعقَ
في عرض البحر!



* Nikolaos Vlahakis نيكولاوس فلاخاكيس، شاعر يوناني من مواليد عام 1967 في قرية فريزس بارامبيلو في جزيرة كريت. درس الفلسفة في العاصمة البلغارية صوفيا، والتي شغل فيها لاحقاً مناصب دبلوماسية كما في بلدان أخرى، مثل ألبانيا وبلجيكا والمجر وألمانيا. من مجموعاته الشعرية "جسر النسور" (2011)، و"عن الاضطراب والظل" (2016)، وقد ترجمت أشعاره إلى لغات، منها الألمانية والإسبانية والإنكليزية.

** ترجمة: أحمد م. أحمد
المساهمون