نقد الذات ضرورة ثورية

22 أكتوبر 2014
لا يمكن صناعة واقع شبابي جديد بغياب النقد (Getty)
+ الخط -

مرت ثلاث سنوات على ثورة حملت معها حلم الانعتاق من واقع القهر والبؤس في تونس، إذ خط الشعب بدماء شيوخه وشبابه صفحة جديدة من تاريخ تونس الحديث. ولئن كان النفس الرافض مبهرا في تجلياته الثورية، فإن الشغل الشاغل اليوم، هو عن سؤال أي مستقبل ينتظر الثورة، وأي دور للشباب التونسي مستقبلا؟!

شهد الحراك الثوري التونسي انتعاشة بين 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، و14 يناير/ كانون الثاني 2011، فأسقط الديكتاتور، وفرض الشعب خارطة طريق تصل بتونس إلى انتخابات مجلس تأسيسي يعد دستورا جديدا لتونس، ومع اقتراب الانتخابات بدأت الانتكاسات تتكرر على حراك لا يعلم الثوري فيه من غير الثوري، وكانت العلامات الأولى لهذه الانتكاسة فشل القصبة 3 في اسقاط حكومة الباجي قائد السبسي، ولم تقدر على ضمان تأييد شعبي واسع عقب القمع الذي مورس يومها. وبرغم صعوبات المرحلة، بغلائها وانقسامها وإضراباتها وإرهابها، فقد استطاعت تونس تحقيق خارطة الطريق التي راهنت عليها القصبة 2، والتي كان الشباب الحاضر الأبرز فيها، فتم إنشاء دستور حظي بإجماع نواب المجلس الوطني التأسيسي، وتم إنشاء قانون للعدالة الانتقالية ومؤسسات دستورية لحماية مكتسبات الثورة، وتستعد تونس في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني من سنة 2014، لإنهاء المرحلة الانتقالية عبر انتخاب مجلس نواب ورئيس جمهورية انتخابا مباشرا، وبذلك يكون مسار البناء رهين اختيارات المجتمع، بصوته الانتخابي وعمله المدني وابداعه الثقافي والفني، كما انتاجه العلمي والمعرفي، على أن نعترف أن الطفيليات النامية من النظام البائد، لا يمكن تخيل اعتزالها المشهد دون السعي لنيل بعض المكاسب الآنية والمستقبلية.

والفعل الشبابي التونسي الثائر مداره الحقيقي التذكير بفظاعة دولة اللصوص والبوليس، والتذكير بالثورة والأهداف الثورية، ومواجهة موجات الردة التي تسحب معها شيئا من الصور القاتمة للماضي التعيس. فلا يجب على الشباب التونسي أن يكون واقعا في حالة فقدان للذاكرة، وهذه المهمة السامية لا يمكن إدارتها بعمى الأيديولوجية، فالأعمى ذاكرته مبتور منها الذاكرة البصرية، ولا يمكن إدارتها بعمى التحزب، فالمتحزب ذاكرته مبتورة من فضاءات عديدة خارج فضاءات حزبه. وبتوفر ذاكرة شبابية سليمة لا يمكن للثورة المضادة أن تعمل على استراتيجية تزييف الوعي، ونشر مناخ الاحباط واليأس، ولا يمكن لوجوه الردة الظهور علنا لتؤدي دور المعلم. وحركية الشباب تكون بتحقيق الغايات بصور إبداعية تخرج عن نمطية لا تغير شيئا في المجتمع. والحركة تورث الخبرة، والخبرة مكمن المعرفة وموقع القرار.

كما لا يمكن، اليوم، القيام على صناعة واقع شبابي عبر التمجيد وبغياب النقد، ولا يمكن الاعتراف للشباب بدوره الفاعل في الحراك الثوري دون نقد مساهمته في فتور الحراك الثوري، فأولى المظاهرات المؤدلجة التي ساهمت في تقسيم المجتمع التونسي، وأسهمت في تغييب قسري للهدف الثوري الجامع كانت بحضور شبابي، "مظاهرة تونس ليك تونس ليا تونس دولة لائكية في فبراير/شباط 2011"، وأولى الاخطاء السياسية المرتكبة في حق تثبيت أقدام الثورة كانت من قبل شباب خرج من القصبة تاركا خلف ظهره رمزين للحزب الشوفيني المنحل، فؤاد المبزع، رئيسا للجمهورية، والباجي قائد السبسي، رئيسا للوزراء، ولا يمكن أن يكون للشباب دور إيجابي في المستقبل دون إظهار وعي بخطئه، وإظهار استفادته من هكذا أخطاء، ولا يسعنا أن نعد كهولا لم تتعود في شبابها على قبول النقد. هذا أن الثورة التونسية قامت ضد نظام الإذلال، ولئن وصفت بالمختلفة، فإنها لن تخرج عن قاعدة ضرورة النقد للذات وتصويب المسار والحذر من انحرافه.

المساهمون