مونديال السياسة العربية

11 يونيو 2014

استعدادات عربية لتشجيع المنتخبات الأجنبية (تصوير: حسين بيضون)

+ الخط -
اقترب المونديال البرازيلي. ساعات تفصل عن الاحتفالية الكروية العالمية، التي ينتظرها مليارات كل أربع سنوات. في موسم الكرة هذا، تتنحّى السياسة جانباً. تقف على هامش الحدث، الذي يطغى على ما دونه من استحقاقات، سياسية أو غيرها.

لكن، بين ميادين الكرة والسياسة، وخصوصاً في العالم العربي، إسقاطات واستعارات من الممكن اللجوء إليها لشرح واقع مزر، سياسياً واجتماعياً. من الممكن آن تكون البداية مع التمثيل العربي الضعيف في المونديال اللاتيني. الجزائر هي الممثّل الوحيد للعرب. آمال كثيرة معقودة على "محاربي الصحراء"، لتقديم صورة مختلفة عن المشاركات العربية السابقة، غير أن ذكريات الماضي العربي في كؤوس العالم السابقة تبقى حاضرة. ذكريات كانت تعطي فكرة عن حال اليأس السياسي والاجتماعي والاقتصادي والرياضي المتفشّي في العالم العربي، إذ كان، ولا يزال، ينظر إلى المشاركة على أنها انتصار، بغض النظر عما يليها من هزائم أو نتائج هزيلة في المحفل الأساسي.

الوضع الكروي هذا، يمكن إسقاطه بسهولة على الواقع العربي السياسي والاجتماعي، مع استعارة الكثير من المصطلحات الرياضية، التي ستحتل الأذهان في الفترة المقبلة. إسقاطات تبدأ بـ "هدف الثورة"، الذي ظنت الشعوب العربية أنها سجلته في مرمى الأنظمة الديكتاتورية، وحققت نصراً تتوق إليه منذ عقود، قبل أن تكتشف رفع راية التسلل من بعض الحكام في المنطقة، وبالتالي، عدم احتساب النصر المؤقت، ليعود الوضع إلى ما هو عليه في مباراة من أشواط كثيرة. هؤلاء الحكّام قرروا أن عواراً شاب الحركة الشعبية العربية، وأن لاعبي الثورة الناشئين غير مؤهلين للفوز على لاعبي المنطقة المخضرمين، ليعطوا الأفضلية لثورة مضادة تسعى إلى جبّ ما قبلها.

وبعيداً عن الثورات العربية ومآلاتها بمصطلحات كروية، يمكن استخدام المفردات نفسها لوصف حالات عربية أخرى، لعل أهمها المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. المفاوضات شبيهة إلى حد كبير بالمشاركات العربية في المونديال. الهم العربي هو "المشاركة للمشاركة"، والهمّ الفلسطيني هو "التفاوض للتفاوض". هكذا، منذ عهد الزعيم الراحل ياسر عرفات، وتحديداً بعد توقيع اتفاق أوسلو، كان استئناف المفاوضات، عند كل عقبة تعترضها وتعلّقها وتجمّدها، أشبه بتصفيات تأهّل الفرق العربية إلى كؤوس العالم السابقة. وعلى غرار المشاركة العربية في هذه الكؤوس، كانت المفاوضات، ولا تزال، تنتهي النهاية نفسها: "الخروج من الباب الخلفي"، ومعاودة الدخول مجدّداً من دون تحقيق أيّ إنجاز يذكر. هكذا "تأهّل" الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس إلى المونديال التفاوضي لملاقاة بنيامين نتانياهو في مباريات سياسية يديرها "الحكم" الأميركي، الذي لا يعترف بعمليات "التسلّل" الإسرائيلية للسيطرة على الأراضي، ويغضّ الطرف عن "الأخطاء الدموية" للّاعب الإسرائيلي في البحر والبر والجو.

الشق الآخر من الملعب الفلسطيني أيضاً يعيش حالاً من المراوحة بين الفوز والتعادل. فعلى الرغم من توقيع اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، فإن خطر إلغاء المباراة في أي لحظة لا يزال قائماً، خصوصاً أن اعتراضات اللاعبين بدأت تزيد، ومن الممكن أن تتحول، في أي لحظة، إلى اشتباك بالأيدي يعيد الوضع إلى ما كان عليه، وخصوصاً أن لا تغييرات كبيرة حصلت في طريقة اللعب الفلسطيني، حتى بعد توقيع الاتفاق، فكل فريق لا يزال يسيطر على ملعبه.

المباراة الدموية السورية لها وضع مختلف في الحسابات الكروية، على اعتبار أنّ أكثر من منتخب يتنافس في مباراة واحدة على تسجيل الأهداف في المرمى السوري، العاجز عن صد كل هجمات الداخل والخارج على شعب يتلقى، منذ ثلاث سنوات، كل أصناف "التسديدات الصاروخية والبراميلية"، على وقع صياح جماهيري يستنكر، لكنه يتابع بصمت.

الملعب العراقي ليس أشفى حالاً. منتخبات عدة أيضاً تتنافس على أرض الرافدين، بينما منتخب أهل الأرض يخوض اللعبة بتشكيلة غير متجانسة، ولا يمكن أن تتجانس، طالما أنّ أفرادها يرتدون قمصاناً متماهية مع الفرق الأخصام، حتى إنّ بعض اللاعبين لا يتوانون عن تمرير الكرات إلى هذا الفريق أو ذاك، أو حتى عن تسجيل أهداف في مرماهم.

لبنان أيضاً حالة كروية سياسيّة فريدة، على اعتبار أنّ قادته غارقون في "دوري محلّي". لكنه دوريّ ذو طابع إقليمي، حتى لتكاد كل فرقة تتحوّل إلى منتخب تابع لهذا البلد أو ذاك. وفي كسر لقواعد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، فإن اللاعبين اللبنانيّين قادرون على تبديل القمصان بسهولة، والانتقال من هذا المنتخب إلى ذاك من دون أيّ عناء يذكر، وحتى من دون أيّ إحساس بالذنب، على اعتبار أن "تكتيكات المنطقة" و"ظروف المباريات" تستوجب ذلك.

إسقاطات حال العرب السياسية والكروية لا تكاد تحصى، لكنها تؤدّي في نهاية المطاف إلى النتيجة نفسها: صفر للعرب، في مقابل شباك متخمة بالأهداف.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".