مواجهة مع الإرهاب في فرنسا

13 يناير 2015
+ الخط -
قبل كل قول، لا بد من إدانة العمل اللاإنساني الذي تعرضت له صحيفة " شارلي إيبدو " الفرنسية، وأودى بحياة 12 شخصاً، بينهم صحافيون كانوا يمارسون عملهم الصحافي في وضح النهار. إنه عمل مقيت مرفوض جملة وتفصيلاً، على الرغم من كل الحجج التي قدمها بعض أصحاب الرأي لتبرئة الفاعلين. إنه عمل مشين، ولا ينتمي فاعلوه إلى الدين الإسلامي الحنيف، إيماناً وتقوى وعقيدة، على الرغم من أقوالهم إنهم يثأرون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من تشويه منظره وفكره وممارساته، عبر تلك الصحيفة وغيرها من الصحف في الدنمارك والسويد وهولندا وغيرها.
(2)
دانت معظم الدول العربية الإسلامية، ومنظمات حقوقية عربية، ومؤسسات دينية إسلامية، مثل الأزهر، ذلك العمل المشين، وتبادل رؤساء عرب مكالمات هاتفية مع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وأركان حكومته، معبرين عن سخطهم وإدانتهم واستنكارهم ما حدث. وتعبر هذه الاتصالات عن خلق العربي تجاه من تحل به نازلة، وأعظم النوازل عندي قتل الإنسان والمس بكرامته وكبريائه.
لكن، يجب أن لا يصرفنا ذلك الحدث المقيت بشأن إخواننا في الإنسانية من الأميركان والأوروبيين بأننا، نحن العرب، نتعرض لإرهاب منظم، أعني إرهاب دول. إسرائيل تمارس على أهلنا في فلسطين أقسى أنواع الإرهاب، قتلت في 55 يوماً في العام المنصرم ما يزيد عن 1200 إنسان في غزة، وأكثر من 60 في الضفة الغربية والقدس، وقتلت وزيراً فلسطينياً، الشهر الماضي، وتقوم بعمليات تجريف أراض زراعية، وتحرق وتجتث أشجار الزيتون، وتمنع أصحابها من حصاد ثمارها. هدمت منازل وأحرقت مزارع في قطاع غزة والضفة الغربية،
 ولم يقل المجتمع الأوروبي كلمة لصالح الشعب الفلسطيني، بل استخدمت دول أوروبية أعضاء في مجلس الأمن الفيتو، لمنع صدور قرار إدانة للإرهاب الإسرائيلي، وفي أحسن الأحوال، تمتنع تلك الدول عن التصويت.
تتزايد الاعتداءات على المسلمين، وخصوصاً العرب في أوروبا، أذكر من تلك الدول، مثالاً، هولندا والدنمارك والسويد وإيطاليا وألمانيا. في بريطانيا، قُتلت طالبة سعودية وهي خارجة من جامعتها العام الماضي، وقتلت أربع نساء من دولة الإمارات في سكنهن في لندن، ولم نسمع احتجاجا أو القبض على الجناة من أي جهة رسمية. في كل يوم، يقتل عشرات من العرب المسلمين في أوطانهم بآلة حرب أوروبية أميركية في العراق وسورية ولبنان، وآخرون يقتلون في اليمن بطائرات أميركية بدون طيار، ولا أحد يثير تلك الأعمال الإرهابية التي تديرها دول.
لن ننسى مذبحة الحرم الإبراهيمي، بقيادة العنصري الرهيب غولدشتاين، الطبيب اليهودي منفذها، والناس سجّد في صلاة الفجر في 1994، وقتل في الجريمة 29 مصلياً وجرح أكثر من 150 آخرين، وهي جريمة تمت تحت حراسة الجيش والشرطة الإسرائيلية. ماذا كان رد فعل المجتمع الأوروبي؟ هل كان بالمستوى نفسه من رد فعل المجتمع الأوروبي والدولي لما حدث في باريس؟ لن أستعرض كل الأعمال الإرهابية التي مورست ضد العرب في أوطانهم وخارجها، فالسجل يطول والمساحة هنا محدودة.
(3)
في الولايات المتحدة الأميركية، جاءت كلمة حق من مواطن أميركي له مكانته. إنه بيل دونوهيو، رئيس رابطة الكنيسة الكاثوليكية الأميركية، الذي استنكر المسار السائد في جميع وسائل الإعلام الأميركية والعالمية حول هجوم باريس (صحيفة شارلي إيبدو) الساخرة، وقال إن من حق المسلمين العرب أن يغضبوا، واتهم وسائل الإعلام في برنامج (نيل كافيتو) بأنها استفزازية للغاية. وقال إن رسامي كاريكاتير الصحيفة المعنية تصرفوا مثل حفنة من البلطجية الفاجرين، وأضاف "أدين أولئك الذين يفتقدون لضبط النفس، ويحرفون حرياتهم عن طريق اختيار تصويرات فاحشة وبذيئة للنبي محمد، ما يدل على نوايا إهانة. وراح يقول: إنني متعب من هؤلاء الصعاليك الذين يطالبون المسلمين بتحمل كل ما يوجه إليهم، لماذا لا تختلف مع المسلمين بطريقة حضارية، بدلاً من التصرف كحفنة من الفاجرين البلطجية" (القدس العربي 9 / 1 /2015).
(4)
حشدت الحكومة الفرنسية الملايين للتظاهر احتجاجاً على الأحداث في باريس، وشاركت في المسيرة قيادات سياسية أوروبية وأميركية وعربية، وقد يرى بعضهم أن هذه المظاهرات حدثت لتأليب الرأي العام الأوروبي ضد الإسلام والمسلمين، استباقاً لاتخاذ إجراءات قاسية، ولو بالشبهة، ضد كل مسلم وعربي يعيش في أوروبا. قد يقول بعض آخر إن تلك المسيرات تهدف إلى تطهير أوروبا من المهاجرين العرب تحت مبدأ محاربة الإرهاب. وقد يقول ثالث إن الحكومة الفرنسية تعاني أزمة داخلية، فجاءت هذه الكارثة وأرادت الحكومة استغلالها لتقوية مكانتها الداخلية، ولعلها تردد الحكمة العربية "ربّ ضارة نافعة".
آخر القول: يا حكام العرب الميامين، لا تقبلوا الدنيئة في دينكم، ولا تقبلوا المساس بمقدساتكم، واحذروا مما يراد بكم. ونحن جميعاً جنود صادقون لمحاربة الإرهاب، أياً كان مصدره.



EC78868B-7E9C-4679-9EB1-42A585C1A75D
محمد صالح المسفر

كاتب وباحث من قطر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، له عدة بحوث ومقالات وكتب.