منتدى "أقوياء العالم" بلا نجوم: القضايا الإنسانية تحت الصفر

21 يناير 2019
جزء من المنتجع الذي يستضيف لقاء الأثرياء(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
بغياب أبرز زعماء العالم بسبب انشغالهم بقضايا وهموم محلية أكثر إلحاحاً داخل بلدانهم، يُعقد المنتدى الاقتصادي العالمي للنخبة في دافوس السويسرية اجتماعاته، بمشاركة 3 آلاف شخصية من أغنى وأقوى الشخصيات العامة من سياسيين ورجال أعمال ومسؤولي الشركات الكبرى، في المدينة الصغيرة الواقعة في جبال الألب بدءاً من اليوم الاثنين، لمناقشة قضايا عدة، بدءاً من التغيّر المناخي مروراً بالشعبوية المتصاعدة في معظم دول العالم، وصولاً إلى القضايا الاقتصادية العديدة، وعلى رأسها الحروب التجارية. ويجعل ذلك السياسة تغلب الاقتصاد، في مناقشات هذا العام، فيما التساؤلات كثيرة عما يمكن أن تحققه هذه الدورة في ظلّ استقطاب عالمي على أشده.

وألغى الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي خطف الأضواء في المنتدى العام الماضي، مشاركته في "دافوس" بسبب الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة. كما ألغى الخميس رحلة وفد حكومي كبير، كان سيضم وزير الخزانة، ستيفن منوتشين، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وكان يفترض أن يروج لبرنامج الرئيس "لنعيد إلى أميركا عظمتها". كما ألغت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، في اللحظة الأخيرة مشاركتها لتكرس وقتها لقضية "بريكست"، التي تشكّل مصدر قلق كبير لأرباب العمل الذين يتوقع مشاركتهم في المنتدى الذي يقام بين 22 و26 يناير/ كانون الثاني الحالي.

أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان أحد نجوم العام الماضي، فلن يتوجه إلى دافوس أيضاً بسبب برنامج عمله "المثقل"، فكيف يواجه رئيس فرنسا كبار اقتصاديي العالم في ظلّ تظاهرات "السترات الصفراء" التي تهزّ البلاد بمطالبها الاجتماعية منذ أشهر؟

ويشغر أيضاً كرسي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي سيحلّ مكانه وزير الطاقة ألكسندر نوفاك. كما لن يظهر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الذي يكافح مع تباطؤ الاقتصاد في بلاده، ولا رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي، الذي يقاتل للحصول على ولاية ثانية. ومن الذين ستغيبيون أيضاً رئيسة الوزراء النرويجية، إيرنا سولبرغ، التي تواجه إعادة تنظيم حكومتها.

وبما أنه "دافوس"، اجتماع أكثر الشخصيات نفوذاً في العالم، حرص قادة آخرون على الحضور، إذ سيسطع نجم الرئيس البرازيلي اليميني المتطرف، جايير بولسونارو، رئيس أكبر اقتصاد في أميركا اللاتينية، والذي يتوقّع أن يسرق الأضواء في أوّل زيارة خارجية له منذ توليه منصبه، حيث سيقدم "برازيل مختلفة، حرة من الارتباطات الأيديولوجية، وخالية من الفساد المنتشر على نطاق واسع"، في كلمة سيلقيها غداً الثلاثاء. وبما أنّ تخفيضاته الضريبية وعمليات الخصخصة تحظى بشعبية لدى المستثمرين، فربما يمنح "دافوس" الضابط العسكري المتقاعد حفل استقبال مثيراً.

وسيقوم رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، بالرحلة إلى سويسرا لحضور المنتدى، وبالطبع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، زعيمة أقوى دولة اقتصادياً في أوروبا، فضلاً عن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي لا يوفّر فرصة دولية للترويج لقوة الاحتلال الاقتصادية وتطورها، طمعاً بحجز المزيد من المساحة لتل أبيب على الساحة الدولية.

وسيكون أمام هؤلاء الكثير من التحديات للمناقشة. من تغيّر المناخ، الذي سيحظى على التركيز الأكبر، إلى تباطؤ الاقتصاد العالمي بحدة، والتحديات التي تطرحها التغيرات التكنولوجية وارتفاع النزعة الشعبوية في دول العالم. وسيدخل التغير المناخي في معظم بنود برنامج دافوس هذا العام. فمع مشاركة رؤساء نحو 1700 شركة، فإن المناقشات ستركز على كيفية محاولة عالم الأعمال التأقلم مع التغير المناخي. كما ستسلّط الأضواء على غابات الأمازون الموجودة في البرازيل وكيفية حمايتها، في ظلّ المخاوف من أنماط الطقس القاسية ومخاطر تعطل مجموعة من القطاعات من بينها قطاع النقل واللوجستيات، جراء التغيّر المناخي، بحسب دراسة نشرها المنتدى أخيراً. وجاءت الطبيعة لتؤكّد على هذه المخاطر، فقد كاد يهدد التساقط الكثيف للثلوج والانهيارات الثلجية التي شهدتها جبال الألب أخيراً، منطقة واسعة تضم منتجع دافوس للتزلج، الذي يستضيف الاجتماع إياه.

ولكن بغياب ترامب، الذي تخلى عن قيادة الولايات المتحدة لمواجهة هذا التهديد، وانسحب من معاهدة باريس للمناخ فور تسلمه الرئاسة قبل عامين، مقللاً من أهمية هذا الخطر على الرغم من الحرائق التي لم تتوقف في كاليفورنيا خلال الأشهر الأخيرة، وحضور بولسونارو الذي يشكك مثل ترامب بالتغيّر المناخي، وتقع غابات الأمازون في بلاده، خصوصاً بعد تعيين الأخير وزيراً يمينياً للبيئة يفكّر بنفس طريقته ما زاد من المخاوف من إزالة غابات في الأمازون، يطرح السؤال عن مدى إمكانية تحقيق أي التزام تجاه هذه الأزمة التي تشكّل تهديداً جدياً للعالم كله.

ولسوء الحظ، فإن تدهور العلاقات الدولية وصعود التيارات الشعبوية والقومية في العالم أتى ليزيد من صعوبة تحقيق أي اتفاق أو التزام عالمي حيال مشكلة المناخ. فالحرب التجارية بغياب قادة أبرز قطبيها، الولايات المتحدة والصين، ستراوح مكانها، بعدما كانت هناك آمال بتحقيق "دافوس" انفراجة على هذا الصعيد. كذلك، فإنّ غياب بوتين، سيؤثّر في المناقشات العامة للمنتدى وإمكانية تحقيق أي خرق على صعيد الصراع في العلاقات بين موسكو والغرب، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وهو الصراع الذي زاد التوتر في العالم، لدرجة وصف البعض تجدده بعودة "الحرب الباردة" بين هذه الأطراف.

وبالنسبة للمؤسس والرئيس التنفيذي لمنتدى دافوس الاقتصادي، كلاوس شواب (80 عاماً)، فإنّ تجمع النخبة يحتاج كذلك إلى التطرق إلى "الخاسرين" من العولمة وإيجاد طرق لرعاية "الذين تركوا في الخلف". وكانت مسألة "من تركوا في الخلف" محور الموجة المناهضة للمؤسسات الحاكمة التي أدت في 2016 إلى قرار الشعب البريطاني الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفتح موجة مطالبات بالانفصال عن تكتلات اقتصادية أو حتى انفصال أقاليم داخل الدول. وستسود في "دافوس" مشاعر القلق من إمكانية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، لما لذلك من تأثيرات على الوضع الاقتصادي، الداخلي والدولي.

وكان كلاوس شواب، قد كشف أنّ طفولته التي عاشها في ظلّ الحرب العالمية الأولى دفعته إلى التفكير بتأسيس منظمة قادرة على تحويل العالم إلى مكان أفضل. ولا شك في أن مؤسسته تركت أثراً على الصعيد الاقتصادي العالمي، لكن بالمعني المعكوس لادعاءات شواب، إذ بات المنتدى المعروف اليد الضاربة للعولمة بأوجهها النيوليبرالية التي تهدد البشرية نفسها بالفناء، وسلاحاً ضارباً لأثرياء العالم وهو ما أدّى إلى ولادة إطار مضاد لـ"دافوس"، اسمه المنتدى الاجتماعي العالمي، الذي يجمع المتضررين من العولمة الرأسمالية، وقد بدأ أولى اجتماعاته السنوية في مؤتمر بورتو أليغري الشهير في البرازيل، نهاية تسعينيات القرن الماضي.

وإذا كانت القضايا المطروحة أعلاه هي التي ستسيطر على "دافوس"، إلا أنّ ما سينتج عن المحادثات الجانبية واللقاءات خلف الأبواب المغلقة، في هذا المنتدى، هي ما تكون عادة الأكثر أهمية. وإلى ما يمكن أن يظهر عن هذه الاجتماعات وحتى عن المنتدى، يبقى الصراع الدولي على أشده وقضايا العالم الحساسة مجهولة المصير، فيما المستفيد الوحيد حالياً هم أهالي مدينة دافوس الذين بدأوا يرفعون من أسعار الشقق للاستحواذ على أموال الوافدين من ذوي الثروات الطائلة.

المساهمون