ملك عربي يمارس النقد الذاتي

ملك عربي يمارس النقد الذاتي

04 اغسطس 2014

العاهل المغربي محمد السادس في مطار الرباط (14يوليو/2014/ ا.ف.ب)

+ الخط -

نادرة هي اللحظات التي يطل فيها ملك عربي على شعبه، ليقول له: أدعوك لوقفة تأمل في حصيلة حكمي، بسلبياته وإيجابياته. العادة أن نسمع الحاكم يقول لشعبه من أنتم أيها الجرذان (القذافي)، أو أن يقول لملايين مواطنيه: إنكم تعانون من انعدام التربية وضعف الأخلاق (بشار الأسد)، أو ذلك الذي قال لشعبه فاتكم القطار في بلاد لم تعرف، إلى الآن، وسيلة نقل اسمها القطار (علي عبد الله صالح).

اختار العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في الذكرى الـ15 لجلوسه على العرش، أن يترك لغة الخشب والتمجيد والارتياح جانباً، وأن يتحدث بلغة النقد الذاتي والصراحة مع الشعب، لأول مرة، إذ قال: "لا نريد أن نجعل من الذكرى الـ15 لعيد العرش مناسبةً لاستعراض حصيلة المنجزات، وإنما نريدها وقفة تأمل وتساؤل مع الذات، بكل صراحة وصدق وموضوعية، حول ما طبع مسيرتنا من إيجابيات وسلبيات".

وأضاف العاهل المغربي، بلغة غير مألوفة في خطاب العرش، الأربعاء الماضي: "إذا كان الإنسان يعتقد أنه دائما على صواب، أو أنه لا يخطئ، فإن هذا الطريق سيؤدي به إلى الانزلاق، والسقوط في الغرور"، مضيفا: "أين هي الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟ ألاحظ خلال جولاتي التفقدية بعض مظاهر الفقر والهشاشة وحدة الفوارق الاجتماعية بين المغاربة".

النقد الذي لم توجهه الأحزاب السياسية التقليدية والنقابات العمالية وجل مؤسسات المجتمع المدني، والأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، إلى حصيلة 15 سنة من حكم محمد السادس، خوفاً أو تملقاً أو نفاقاً، قام به الجالس على العرش بنفسه، وقال للمغاربة: "إنني أفكر بصوت مسموع معكم، حول الأسباب العميقة التي تجعل قطاعات واسعة من الشعب، في المدن والبوادي، لا تصل إليها ثمار الأوراش المفتوحة والمخططات التنموية والمشاريع الكبرى". ماذا يعني هذا المنحى النقدي في خطاب الملك؟

أولاً: هذا يعني أن الجالس على العرش في المغرب يتأقلم بطريقته مع الربيع العربي، ويتدرب على القبول بالنقد والمراجعة لقراراته وسياساته ومبادراته، وهذا ما لا يفعله الملوك والرؤساء العرب حتى أمام أنفسهم، فما بالك أمام شعوبهم.

ولهذا، على الفاعلين السياسيين والنقابيين والإعلاميين والمثقفين، أن يتخلصوا من عقدة الخوف من نقد السياسة الملكية، وأن يضعوا كل القضايا العامة تحت مجهر النقاش العمومي والنقد العلمي الصريح، وعلى الأجهزة الأمنية والإدارية في الدولة أن تتوقف عن محاصرة الفكر النقدي في المجتمع والجامعة والإعلام والبرلمان وكل ساحات النقاش العمومي، لأن هذه الرقابة المتشددة تخنق الفكر والإبداع والفضاء العام، ولا تفتح عين أحد على المستقبل.

ثانياً: اعتراف الملك محمد السادس بالخصاص الكبير الموجود في التنمية البشرية في المغرب يعني، أيضاً، اعترافاً بفشل النموذج التنموي المعتمد منذ 15 سنة، أي منذ مجيء الملك إلى العرش، هذا معناه، أيضاً، أن الثروة الوطنية تذهب إلى جيوب الكبار دون الصغار، وتضيع في الطرق الملتوية للفساد والريع. أن يقول الملك الحقيقة للشعب، في هذا الخصوص، فهذا دليلٌ، من جهة، على أنه يعرف كل شيء عن أحوال البلد، وأنه، من جهة أخرى، مسؤولٌ، كما الحكومة والأحزاب، عن غياب سياسة اجتماعية حقيقية، توزع ثمار النمو بعدالة وإنصاف واستحقاق بين كل فئات الشعب (صدر أخيراً تقرير عن الأمم المتحدة كشف مراتب مخجلة للمغرب على سلم التنمية البشرية).

ثالثاً: اعتراف الملك بأعطاب التنمية في بلاده لا يجب أن يكون شجرة تخفي الغابة، هذا الخلل الاقتصادي والاجتماعي مرده إلى خلل سياسي أعمق، يتمثل في ضعف البناء الديمقراطي، وهشاشة مؤسسات الحكم والإدارة في المغرب الذي خرج من مرحلة الاستبداد، ولم يدخل بعد إلى عهد الديمقراطية،  بحيث لا الحكومة ولا البرلمان ولا القضاء ولا باقي المؤسسات تشتغل بفعالية، من أجل تحريك عجلة التنمية ومحاربة الفساد وإصلاح الضريبة وتساوي الفرص وشفافية صرف الميزانية، وفك التحالف المصلحي القوي بين السلطة والثروة، وبين نظام الحكم والأغنياء الجدد والقدامى، والتخلص من هيمنة توصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، اللذين لم يثبت تاريخياً أنهما قادا بلاداً نحو التنمية، أو نحو الخروج من التخلف والتبعية والمديونية.

A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.