ملف ضحايا الثورة التونسية: جرح مفتوح

ملف ضحايا الثورة التونسية: جرح مفتوح

18 يناير 2015
احتجاجات للأهالي في قصر الرئاسة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

لم يُطو، إلى اليوم، ملف شهداء الثورة وجرحاها في تونس، فبقي محلّ تجاذب وأخذ ورد بين جميع الأطراف ذات الصلة بهذا الملف الوطني، سواء بين عائلات الشهداء والجرحى ومختلف الحكومات التي تعاقبت بعد الثورة، أو بين السياسيين والحقوقيين ورجال القضاء ومناصري مسار العدالة الانتقالية.

فاحتجاجات عائلات الشهداء والجرحى في قصر الرئاسة يوم الاحتفال بالذكرى الرابعة للثورة في 14 يناير/كانون الثاني على خلفية عدم تكريمهم، أعاد الجدل من جديد إلى المشهد السياسي، ومعه تجدد تبادل التهم بالتقصير في معالجة هذا الملف الوطني.

وزاد الطين بلّة، تمييز شهداء على آخرين، وعدم تكريم عائلاتهم في الذكرى الرابعة للثورة. وفي هذا السياق، ترى النائب عن حركة "النهضة" يمينة الزغلامي، وهي أيضاً رئيسة لجنة شهداء وجرحى الثورة والعفو التشريعي العام في المجلس الوطني التأسيسي سابقاً، أنه "لا بد أن يبقى هذا الملف قائماً وحاضراً لدى جميع التونسيين، باعتباره يُمثّل فخراً لهم، فمن غير العدل إبقاء هذا التمييز، والحال أن دماء الشهداء متساوية".

وتؤكد الزغلامي لـ"العربي الجديد" أنه "كان هناك سعي في اللجنة لتوحيد جهود الأطراف المشاركة، من خلال المطالبة في العديد من المناسبات بإنشاء جهاز موحّد لمتابعة هذه الملفات، لكن لم يتم التجاوب مع هذه المطالب".

ويبدو أن تشتّت الجهود وتفرّع الهياكل واللجان وتعدد الآليات التي استُحدثت لمعالجة هذا الملف، كانت سبباً في البطء وعدم البت فيه نهائياً، واليوم بعد مرور أربعة أعوام على الثورة لم تُضبط ولم تُنشر القائمة النهائية لعدد الشهداء والجرحى، وفق ما يؤكد من تحدثت إليهم "العربي الجديد"، بل كانت هذه القضية ولا تزال محل تجاذب ومقايضة وتوظيف سياسي.

ويستنكر فوزي الصدقاوي، المكلف بملف شهداء وجرحى الثورة في وزارة العدل في حكومة الترويكا، ما تم تداوله في وسائل الإعلام منذ أيام على لسان بعض السياسيين والمحللين من مغالطات واتهامات بالتقصير، وعدم تمكين المتضررين من مستحقاتهم المنصوص عليها قانونياً وفق أوامر ومراسيم أصدرتها مختلف الحكومات المتعاقبة بعد الثورة.

ويؤكد الصدقاوي لـ"العربي الجديد" أن "وزارة العدل وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أنجزت ما في عهدتها حول مسار الاستحقاقات الصحية والاجتماعية وأيضاً المالية، ذلك أنه تمّ صرف قسطين من التعويضات المالية لعائلات الشهداء والجرحى، في انتظار أن يبتّ القضاء في بقية قضايا التعويض، إضافة إلى تمكينهم من تكاليف النقل والعلاج المجاني".

ويوضح أن هناك "ثماني لجان تعمل على هذا الملف الوطني بالشراكة مع 14 وزارة، إذ تم تحديد قائمة أولية بالشهداء البالغ عددهم 321 شهيداً، وبعدد الجرحى البالغ 3727 جريحاً".

ويشير الصدقاوي إلى أنه "تم توسيع دائرة المتابعة على مستوى الجهات، وذلك لتجنيب الجرحى مشقة التنقّل إلى العاصمة لمتابعة الحالة الصحية، وللإحاطة بهم نفسياً، فتم تكليف أطباء في المناطق بمتابعة الحالات العائدة إليهم بالنظر والتنسيق مباشرة مع اللجنة المركزية".

غير أنه على الرغم من كلّ هذه الإجراءات، فإن غضب عائلات الشهداء والجرحى لم يهدأ بعد، ذلك أن أهم مسار في هذا الملف لم يتحقق وهو المسار القضائي.

فقد احتج عدد منهم في الذكرى الرابعة للثورة ونظموا مسيرة جابت شارع الحبيب بورقيبة للمطالبة بمحاسبة القتلى والمذنبين، وإعادة فتح ملفات الشهداء أمام القضاء الذي برّأ المذنبين ولم ينصف الشهداء والجرحى، حسب اعتقادهم.

وترى المحامية عن عائلات شهداء الثورة وجرحاها، ليلى الحداد، لـ"العربي الجديد"، أنه "من الطبيعي أن تحتج العائلات ما دامت العدالة لم تنصفهم، وهي مسألة طبيعية بما أنه لم يتم إصلاح المنظومة القضائية لتتعامل مع ملفات مصيرية من شأنها أن تكشف حقائق ثلاثة وعشرين عاماً من الاستبداد والفساد".

وتلفت إلى أنه تم إغلاق "أغلب ملفات الشهداء والجرحى لعدم معرفة الجاني، وتدوينها ضد مجهولين، والبقية الباقية أطلق سراح المتهمين فيها، فبقيت الحقيقة غائبة في رفوف المحاكم، ولم يُعرف إلى اليوم من قتل أبناء تونس ومن هم المسؤولون عن أحداث العنف التي جرت بين 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 و14 يناير/كانون الثاني 2011".

وكانت المحكمة العسكرية أصدرت أحكاماً بالبراءة لمصلحة العديد من المتهمين، بعد أن رفعت عائلات الشهداء والجرحى مباشرة بعد أحداث الثورة قضايا أمام المحاكم الابتدائية المدنية. لكن منذ يونيو/حزيران 2011 بدأت أغلب هذه المحاكم تتخلى عن القضايا للقضاء العسكري، استناداً إلى الفصل 22 للنظام الأساسي لقوات الأمن الداخلي.

وقد استلمتها المحاكم العسكرية الدائمة في تونس وصفاقس والكاف، وباشر التحقيق العسكري البحث فيها، من خلال مواصلة سماع أقوال عائلات الشهداء، وإجراء اختبارات على الأسلحة والأعيرة النارية، لتنتهي القضايا إلى أحكام نهائية أثارت حفيظة الأهالي وجعلتهم يلجؤون إلى الشارع للتظاهر والتنديد بضياع حقوق أولادهم وعدم محاسبة الجناة.

المساهمون