مقاطع في المشهد العربي

مقاطع في المشهد العربي

07 مارس 2020
+ الخط -
"الشعب يريد إسقاط النظام" شعار رفعه المتظاهرون العرب في الميادين والساحات خلال موجتي ثورات الربيع العربي التي انطلقت ضد أنظمة الحكم القمعية في الوطن العربي؛ وأصبح الشعار الرئيسي المرفوع في معظم الثورات. وقد عكست الشعارات التي رفعتها الجماهير العربية، في الموجتين، المعضلات المستعصية في الاقتصاد السياسي للدول العربية المختلفة، حيث ركزت على العدالة الاقتصادية والاجتماعية وإعادة توزيع الثروة، فضلاً عن الحرية والديمقراطية والكرامة، والانعتاق من حكم الاستبداد.
ويلحظ متابع تحوّلات المشهد العربي سيادة مبدأ الفردية المطلقة في الحكم في غالبية الدول العربية، والاستمرار في الحكم لنهب المال العام على حساب لقمة عيش المجتمعات. وقد أدت عملية الفساد المالي إلى زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، فضلاً عن تفشي ظواهر خطيرة في غالبية الدول العربية، وفي مقدمتها نهب الطبقات السياسية الحاكمة، على اختلاف نعوتها، الثروات، ما أدى إلى تفاقم مؤشرات البؤس في غالبية الدول العربية، فارتفعت معدلات البطالة وازدادت قيمة الديون الخارجية ومعدلات الفقر والفقر المدقع، على الرغم من وجود المصادر الطبيعية الوطنية الكبيرة. وكانت مؤشرات البؤس المذكورة ولا تزال عوامل جوهرية لاستمرار ثورات الربيع العربي التي نادت وتنادي بالتحوّل الديمقراطي، والشواهد على ذلك الحراكات الشعبية في لبنان والعراق والسودان والجزائر.
انعكست سياسات النظم العربية الاستبدادية على مناحي الحياة كافة، وتجلّى ذلك من خلال سوء توزيع الدخل المحلي للدول العربية، حيث تتحكّم أقلية من السكان التي تعيش في كنف النظام السياسي والطبقة السياسية الحاكمة بالقسم الأكبر من الدخل المحلي لهذه الدولة أو تلك، في حين بقيت أكثرية المجتمعات العربية عرضةً لتفاقم الفقر والبطالة والجهل، ولهذا يستحوذ 20% من سكان الوطن العربي على 90% من الدخل القومي، الأمر الذي يجعل 80% من السكان تحت خط الفقر المدقع، ويضعف خياراتهم من صحة وتعليم ورفاه اجتماعي. وللدلالة على سياسات النظم العربية الاستبدادية الفاشلة، ارتفعت وتيرة معدلات البطالة خلال السنوات الأخيرة، لتصل إلى 35% حدّاً أعلى في الدول العربية، في وقت وصلت فيه نسبة الأمية إلى 35% خلال الأعوام الأخيرة.
سيؤدي الاستمرار في حالة النظم العربية الاستبدادية إلى تراجع في المؤشرات كافة، إنْ على 
المستوى الداخلي أو الخارجي، ويمنع العرب من اللحاق بركب الحضارة. وتبعاً لذلك، من المؤكد استمرار ثورات الربيع العربي وفق تعبيرات تبتكرها الشعوب، للمطالبة ببناء مؤسسات ومنظمات اجتماعية حقيقية، وقبل ذلك المطالبة بالتغيير الشامل، وتعزيز مبدأ الديمقراطية وسيادة القانون، عوضاً عن مبدأ الفردية في الحكم. وبطبيعة الحال، انتشار المبدأ المذكور وتعزيزه سيهيئان الظروف السانحة لعودة رأس المال المالي العربي المهاجر من جهة، والمقدر بتريليون دولار، وكذلك ستكون الطريق ممهدة لعودة الأدمغة العربية المهاجرة إلى أوطانها، حيث تشير دراسات عديدة إلى وجود خمسة ملايين من العلماء والأكاديميين والباحثين العرب في أوروبا وأميركا. وبعودة رأس المال والقوى البشرية، خصوصاً التي هجرت، خلال السنوات الأخيرة، إلى القارة العجوز وكندا، وتوطينها في الوطن الأم، يمكن التأكيد عندئذ أن قدرات وطنية حقيقية كامنة ستدفع في اتجاه تعزيز قدرات الوطن والمواطن العربي وتنميتها، وتالياً تحسين شروط الأداء الاقتصادي لكل القطاعات الاقتصادية، في إطار الاقتصاديات الوطنية، وتحقيق معدلات نمو اقتصادي عالٍ، من شأنه تعزيز الخيارات للدول والشعوب العربية على حد سواء، وقد تدفع تلك التغيرات إلى أن يتبوأ الوطن العربي مكانة مهمة في إطار العلاقات الدولية.
مستقبل الشعوب العربية الواعد مرهون باستثمار المصادر الطبيعية والبشرية التي يزخر بها الوطن العربي لمصلحة المواطن العربي في المقام الأول، حيث يستحوذ على نحو 60% من احتياطي النفط العالمي، فضلاً عن قوة بشرية كبيرة يصل مجموعها إلى 430 مليون عربي خلال العام الحالي 2020، ومن بينها نحو 120 مليوناً من فئة الشباب الفاعلة في ميادين العلم والمعرفة، وهي الفئة الأقدر على حماية منجزات شعوبها وتطلعاتها، بعد تحقيق ثورات الربيع العربي الشعارات التي رفعت وترفع في ميادين التحرير وساحات التغيير على امتداد الوطن العربي.