مقاطعة إسرائيل موقف أخلاقي

مقاطعة إسرائيل موقف أخلاقي

26 مايو 2014

مسيرة مغربية بالدار البيضاء لنصرة القدس (إبريل 2012 أ.ف.ب)

+ الخط -
عاصفة سياسية وإعلامية ضربت المغرب بقوة، الأسبوع الماضي، لإعلان ثلاثة مغاربة أنهم سيشاركون في ندوة عن مستقبل الأمازيغية في المغرب العربي، دعا إليها مركز موشيه دايان في تل أبيب، وتعرضوا لنقد شديد، وصدم كثيرون من سلوكهم، ودُعي إلى الإسراع في إخراج مقترح قانون جمّد في البرلمان، يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويعاقب كل من يقترب من هذا الخط الأحمر.
هل تصدقون أن إسرائيل مهتمة بحقوق الأمازيغ في المغرب والجزائر وتونس وليبيا، وقلبها على هذه الشعوب الأصلية، والتي جاء العرب، حسب زعمها، من شبه الجزيرة العربية، ببداوتهم وتخلفهم، فأبادوا الأمازيغ، واحتلوا أرضهم وصادروا لغتهم، وحولوهم أقليات منبوذة في وطنهم؟
هل تصدقون أن إسرائيل، صاحبة أكبر مشروع استيطاني في العالم، والتي بنت أطول جدار فصل عنصري في التاريخ، وتعمل على تجفيف منابع الثقافة والهوية الفلسطينية، مشغولة بـ "عدالة" القضية الأمازيغية في المغرب.
فلسطين ليست قضية القوميين العرب، ولا قضية الأصوليين المسلمين، إنها قضية الضمير الإنساني العالمي، الذي يجب أن يبقى مستيقظاً، على الرغم من التخدير الصهيوني. فلسطين هي قضايا العدالة الغائبة على وجه الأرض، ومناهضة الاحتلال والموقف الأخلاقي من العدوان. أما مقاطعة إسرائيل وعدم التورط في التطبيع معها، فليس برنامجاً سياسياً، ولا موقفاً أيديولوجيا، الالتزام به موقف أخلاقي، وإعلان براءة من مغول العصر الحديث.
إذا لم تكن قادراً على عقاب المحتل وردع الظالم، فلا أقل من أن تقاطعه سياسياً واقتصاديا واجتماعيا، حتى لا تضفي شرعية على عدوانه، وليظل ضمير الأجيال القادمة مستيقظا عارفاً بخريطة الصراع، واعياً بحدود وطنه، متحفزاً لاستئناف المعركة ضد المشروع الصهيوني، في ظروف أفضل مما هي عليه الآن. هذه هي الخلفية الفكرية والحقوقية والأخلاقية في مقاطعة إسرائيل.
منذ سنوات، وناشطون أمازيغ يخلطون بين قضية فلسطين وحساسيتهم من الأيديولوجيا القومية العربية التي يحملونها، عن حق أو باطل، مسؤولية إهمال المكون الأمازيغي في دولة ما بعد الاستقلال. ويخلط هؤلاء بين عدائهم للإسلاميين ومقاطعة إسرائيل ووقف التطبيع معها. لهذا، حاولت قلة منهم أن تعتبر إسرائيل دولة مثل باقي الدول، وأن لا ترى نفسها في خندق العداء لإسرائيل، كما الأغلبية الساحقة من المغاربة، وحاولت أن تطبق التكتيك الحربي، الذي يقول إن عدو عدوي ربما يصير صديقي، وأفضل طريقة لوخز العقل القومي والإسلامي التقرب من إسرائيل وخطب ودها، ونزع رداء الإجرام عنها، وفك العزلة النفسية في البلاد العربية والمغاربية والإسلامية عنها. هكذا، سيصير للأمازيغ صوت مسموع في الغرب، وربما يستفيدون من قوة اللوبي اليهودي في أوروبا وأميركا، ونسي هؤلاء أن دماء المغاربة، عرباً وأمازيغ، اختلطت في الجولان، وهم يحاربون إسرائيل سنة 1967، وأن فلسطين القاسم المشترك بين الأطياف السياسية والأيديولوجية في المغرب، والمغاربة، مهما ابتعدوا عن بعضهم بعضاً، يجدون أنفسهم في الخندق نفسه، عندما يتعلق الأمر بنصرة فلسطين.
يكفي أن نعرف أن أكبر التظاهرات والمسيرات في المغرب، منذ الاستقلال، كانت لفلسطين، وليس بسبب قضية أخرى، داخلية أو خارجية. ينسى دعاة الاحتماء بإسرائيل ضد بلدانهم أن الراحل، محمد عابد الجابري، كان قومياً عربياً، وهو من أصل أمازيغي، ومساهماته في قراءة العقل العربي وبنيته ستظل محفورة منجزاً كبيراً، لأن العروبة لغة وثقافة وفضاء سياسي، وليست عرقا ولا جماعة إثنية.
وقد وجه سيون أسيدون، المغربي اليهودي الذي يناضل ضد التطبيع مع إسرائيل، رسالة قوية إلى (حجاج مركز موشيه ديان)، وطلب منهم ألاّ يسافروا إلى إسرائيل. وأورد فيها أنه انضم، أخيراً، إلى نداء مقاطعة الجامعات الإسرائيلية، عالم الكسمولوجيا، ستيفن هاوكنس، وأنه في نهاية 2013، قررت جمعيات المدرسين والباحثين الجامعيين الأميركيين تلبية النداء، وفي مقدمتها، الجمعية الأميركية للدراسات (5000 عضو)، وأوضحت الجمعيات أن قرارها بسبب التمييز العنصري، الذي تعامل به إسرائيل الطلاب الفلسطينيين، والصعوبات الموضوعة أمامهم، ومنعهم من الولوج إلى الجامعات والمعاهد في إسرائيل، وأيضاً، لأن المؤسسات الجامعية الإسرائيلية تعمل باستمرار لفائدة جيش الاحتلال. 
 

 
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.