معركة الزي الأسود في تونس

20 مارس 2015
+ الخط -

شهدت الساحة القضائية في تونس، في الأسبوع الماضي، توتراً شديداً بين المحامين والقضاة، سببه قانون إحداث المجلس الأعلى للقضاء المثير للجدل. بدأ أول فصول المواجهة في مدينة صفاقس، ثاني أكبر المدن التونسية والعاصمة الاقتصادية للبلاد، حيث شهدت إحدى محاكمها حادثة اعتداء، طرفاها المحامون من جهة والوكيل العام لمحكمة الاستئناف (أحد أعلى الرتب في سلم القضاء في تونس) في المدينة. ومباشرة إثر هذه الحادثة، تبادل الطرفان التهم، تماماً كما يحدث في تونس اليوم بين وزارة ونقابة، أو بين مسؤول ومواطن، أو بين مريض وطبيب، أو بين مدرب وحكم، أو بين سياسي سابق وسياسي لاحق، وأخيراً وليس آخر، بين طالب جامعي وأستاذه.
يرى محامون أن ما حصل في محكمة مدينة صفاقس مجرد شجرة تحجب غابة، أو بالأحرى أدغال حرب المواقع في الساحة القضائية التونسية، ما بعد ثورة ديسمبر/كانون الأول 2010، والتي كان المحامون أحد أبرز قادتها. كما يرون أن المجلس الأعلى للقضاء ليس مجلساً أعلى للقضاة. وبالتالي، لا بد أن يتسع ليشمل المحامين. ويؤاخذ المحامون على القضاة كذلك حصر مهام المجلس في شأني الترقيات المهنية للقضاة والتأديب. والحال، بحسب رأي بعض المحامين، أن الدستور التونسي الجديد ينص على أن المهمة الرئيسية للمجلس الأعلى للقضاء هي الاهتمام بسير المرفق القضائي عموماً، ما يعني وجوباً ضرورة مساهمة قطاع المحاماة في ذلك.
ورداً على تحركات المحامين، دخل القضاة في إضراب حضوري في المحاكم التونسية كافة، احتجاجاً على التعديلات على مشروع المجلس الأعلى للقضاء، والتي صادق عليها مجلس الوزراء، المنعقد أخيراً، واعتبروا أن ما حصل في ذلك اجتماع كان تحت ضغط المحامين وترضية لهم ليس إلا. كما اتهموا المحامين بالتغول، والسعي إلى التدخل في تركيبة المجلس.
حقوق أحياء أموات وما بينهما ضاعت بين مكاتب القضاة وملفات المحامين. محامون لم يستفيقوا بعد من نشوة دسترة قطاعهم، وهو إنجاز ساهم فيه القليل وجنى ثماره وغلاله الكثير. قضاة يحنون إلى زمن قريب، كانوا فيه إحدى أذرع نظام نوفمبر، وبين هؤلاء وأولئك مشروعان يحثان الخطى إلى مبنى البرلمان، أحدهما لحماية رجال الأمن والآخر للتصدي لظاهرة "الإرهاب".
 مشروعان لن يتركا لأصحاب الزي الأسود، وغيره من الألوان، مجالاً للتحرك، إذا ما رفعت الأيادي، أو ضغط على زر الموافقة الأبدية في مبنى برلمانٍ، ما زالت بنايته تذكرنا بزمن البايات.

 


 

avata
avata
يوسف بوقرة (تونس)
يوسف بوقرة (تونس)