تونس .. متى نُصبح على وطن؟

تونس .. متى نُصبح على وطن؟

13 يوليو 2015
+ الخط -
لا حديث في تونس، اليوم، على المستويين الشعبي والرسمي، إلا عن المخاطر المُحدقة بالبلاد، وضرورة تعامل الجميع لدرئها، أو على الأقل التخفيف من حدّتها. في تونس، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضدّ الإرهاب: في المجلس النيابي، وفي القصرين الحكومي والجمهوري، وفي مقرّات الأحزاب المُعترف بها، والمُهدّدة بسحب الاعتراف منها، وفي المنابر الإعلامية التي غابت خلال هذا الشهر، وعوّضتها برامج لا يهمّ محتواها، بقدر نصيبها من كعكة الإشهار.
باستثناء الحدود الجغرافية التي يتفق حولها الجميع في تونس، لكلّ تعريفه للوطن، فهو لدى السّاسة كرسيّ لا يهمّ موقعه، رئاسيّا كان أم حكوميا أم برلمانيّا، بقدر مدة المكوث عليه، وهو لدى أصحاب رأس المال استثمار ومال يدرّ أموالا، وهو لدى المهرّبين بضاعة يستوي فيها البشر والبنزين. أما لدى عامّة النّاس، فالوطن هو الأب والأمّ والأبناء، وفي أقصى الحالات حاملو اللقب العائلي نفسه.
يتحدّث الجميع عن الأخطار والصعوبات الاقتصاديّة التي تواجه تونس، اليوم، بينما يتجاهلون الحديث عن الأسباب التي أدّت إلى هذا الوضع: لا حديث عن خيارات اقتصاديّة ليبراليّة، انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ سبعينات القرن الماضي، وعن اقتصاد خدماتيّ واستثمار لم يتجاوز مجالات الفنادق والمرافئ الترفيهيّة، والسّعي إلى دخول كتب الأرقام القياسيّة بإعداد أكبر قِدر لطهي أكلة "الكسكسي" (الطبق الأشهر في تونس)، أو بحياكة أكبر علم، أو بإعداد مائدة إفطار على شرف ذوي البشرة الشقراء، فإذا بأغلب الحاضرين من الناطقين بلسان عربيّ.
لا حديث عن سياسة تنموية فاشلة بامتياز، وعن مخطّطات خماسيّة وعن برامج إصلاح هيكليّ، جيء بها من شمال المتوسّط، وحوّلت الوطن الواحد إلى أوطان، ولا عن مركزيّة القرارين، السياسي والاقتصادي، اللذين لا يعترفان إلا بالبحر وأحوازه.
لا حديث عن سياسة تعليمية لم يشارك أي طرف وطني في وضعها، بل هي نتاج عملية "إصلاح" انطلقت سنة 1991، وبحت أصوات المحذرين من عواقبها. ولكن، لا صوت علا فوق صوت صندوق النقد والبنك الدوليين سياسة رمت الجامعات التونسية في غياهب الصراعات الايديولوجية، وأبعدتها عن دورها الأكاديمي والعلمي، وكانت نتيجتها جيوش من الخريجين الذين يلتحقون سنويا بسوق البطالة.
"تصبحون على وطن" عنوان أغنية لرمز الأغنية البديلة مرسيل خليفة، وردت كلمة وطن نكرة، ما يدلّ على أننا مازلنا لم ندرك بعد معناها، وفي انتظار أن نصبح، نحن التونسيّون، على وطن مازال أمامنا مساء وليل لابدّ من تجاوزهما، ونتمنّى أن لا يطول ذلك.



avata
avata
يوسف بوقرة (تونس)
يوسف بوقرة (تونس)