سورية والأرض الخراب

سورية والأرض الخراب

10 يوليو 2015
+ الخط -
تشهد الساحة الميدانية السورية، في هذه الأيام، تطورات مهمة تتمثل في تقدم القوات النظامية وحلفائها في المعارك الدائرة قرب الحدود اللبنانية، حيث أعلن التلفزيون السوري عن سيطرته على أغلب أحياء مدينة الزبداني، إثر عملية برية سبقها قصف جوي مكثف. وتكتسي الزبداني أهمية كبرى باعتبارها المدينة التي تربط دمشق ببيروت، وهو السبب الذي دفع مساندي النظام السوري إلى الإلقاء بكل ثقلهم في هذه المعركة، أما بقية المدن والقرى فلا حول لها ولا أهمية.
تبين معركة الزبداني أن الأرض السورية أصبحت أراض تختلف أهميتها باختلاف موقعها. فإذا كان الموقع استراتيجيا بالنسبة للنظام ومسانديه أو منظمات الثقافة الدولية، أو بالنسبة إلى الفصائل المسلحة المعارضة، فإنه يلقى اهتماما إعلامياً، وتصبح السيطرة عليه مناسبة لإذاعة أناشيد وضعت أساساً للاحتفال بنصر ضد عدو لم يعد كذلك، أناشيد لشحذ الهمم والتغني بمعارك شتان بينها وبين أمهات معارك الأمة، كاليرموك والقادسية والزلاقة. وأما إذا دارت المعارك في مدن وقرى لا ذنب لها سوى أنها لا تربط الشام بأي من دول الجوار، فإن القتل والتدمير والتهجير تبيحه شرائع السماوات والأرض.
كانت أرض الشام إلى عهد قريب أرضاً واضحة المعالم والحدود والحرمات التي لا مجال لانتهاكها، أما في هذا الزمن "الثوري" فقد تقلصت مساحة هذه الأرض، وانحصرت في العاصمة وبعض المدن الساحلية. تحولت ثلاثة أرباع أراضي الشام إلى خراب مس البشر والبنية التحتية التي أرادها الجميع أن تبقى كذلك، أما إعادتها إلى ما كانت عليه، فإن الأمر يحتاج إلى عقود، وإعادة الإعمار الذي ما زال الجيران العراقيون ينتظرونه منذ ربع قرن.
تعددت التسميات لما يحدث في سورية: انتفاضة سلمية قمعها النظام بالحديد والنار، ربيع عربي في المشرق، ثورة سلمية تحولت إلى نزاع مسلح، تسميات تصلح للبرامج الحوارية التلفزيونية. وعلى أرض الشام الحقيقة واضحة: نظام يولي وجهه شرقا وغربا دفاعا عن أركانه وجماعات مسلحة من كل الأصقاع، تستعرض أحدث أساليب الفتك والتدمير، وبين هؤلاء وأولئك بلد على مشارف الانهيار وشعب لا خيار له سوى التعايش مع هذا الوضع، على أمل العودة العاجلة إلى الديار، أو ما تبقى منها.
"الأرض الخراب" عنوان أشهر قصيدة للشاعر الأميركي، ت. س. إليوت، كتبها عشية الحرب الكونية الأولى، وتحدث فيها عن الخراب المادي والمعنوي والروحي الذي عاشه العالم في تلك الفترة. الخراب نفسه نراه اليوم في أرض الشام: جوانبه المادية واضحة للعيان، وعمت الجميع، أما جوانبه المعنوية والروحية فتختلف من مدينة إلى أخرى، ومن طرف إلى آخر، ومن راية إلى أخرى.


avata
avata
يوسف بوقرة (تونس)
يوسف بوقرة (تونس)