معاناة صيادي الصومال...سفن أجنبية تنهب الثروة السمكية

معاناة صيادي الصومال... سفن أجنبية تنهب الثروة السمكية

16 سبتمبر 2019
الساحل الصومالي من أغنى مواقع الصيد في أفريقيا(فرانس برس)
+ الخط -
يشتكي رئيس تعاونية هيبو للصيادين الصوماليين، حسن محمد روبلى، من الانتهاكات المتكررة التي تمارسها سفن الصيد الأجنبية ضد قوارب زملائه في المياه الإقليمية، والتي يجري إغراقها، ورش المياه الساخنة صوبها وحتى نهب الأسماك، وإطلاق الرصاص الحي باتجاهها، إذ وثقت الرابطة ما بين 5 و6 اعتداءات يوميا، ضد الصيادين، أي حوالي 150 اعتداء وقد تزيد حتى 180 حالة اعتداء في الشهر، جرت خلال العامين الماضيين، فضلا عن اختفاء نحو 8 قوارب صيد، على متنها 24 شخصا، وفق إفادته لـ"العربي الجديد"، وهو ما يؤكده الصياد الأربعيني محمد عبدالله نور، الذي نجا من موت محتوم بعد مكوثه لمدة أربع ساعات في عرض البحر إثر إغراق قاربه من قبل سفينة تحمل العلم الأميركي في أغسطس/آب 2015 كما قال.

"في الساعة الثانية بعد منتصف الليل، كنا نتناوب على حراسة القارب، فوجئنا بإضاءة كبيرة صوب قاربنا، وعند محاولتنا الهرب، رشت السفينة مياهاً ساخنة على القارب، ما اضطرنا للقفزفي البحر، وبدأنا السباحة، حتى صادفنا قارب صيد، ونقلنا إلى البر" أضاف نور، ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها للاعتداء بعدما أمضى 30 عاما في مهنة الصيد، إذ سبق وأن تعرض لاعتداء مماثل نهاية عام 2014 من قبل سفينة باشرت بإطلاق النار صوب قاربه، وألحقت أضرارا بالغة به.



تعديات السفن الأجنبية

يمتلك الصومال أطول ساحل في أفريقيا إذ يمتد على مسافة 3325 كيلومترا، ويعد من أغنى مواقع الصيد في أفريقيا، لكن ثروته السمكية تتعرض للنهب من قبل السفن الأجنبية، ما يهدد مصادر الدخل اليومي لنحو 30% من المجتمع الصومالي، البالغ تعداده السكاني 12.3 مليون نسمة، كما يقول القائد السابق للقوات البحرية الصومالية ورئيس الهيئة الصومالية للبحوث البحرية الأدميرال فارح عمر أحمد، الذي رصد تعرض الصيادين الصوماليين لاعتداءات في المياه الإقليمية الصومالية من قبل السفن الأجنبية.


ويؤكد مدير قسم البيئة والسواحل في وزارة الثروة السمكية والموارد البحرية، محمود حسن، لـ"العربي الجديد" أن تأثيرات السفن الأجنبية قبالة السواحل الصومالية لا تقل خطورة، عن عوامل التقلبات المناخية التي قد تدفع قوارب الصيادين إلى بلدان أخرى، ما يعرضهم إلى تهمة القرصنة والصيد غير المشروع قائلا "تردنا شكاوى من الصيادين بشكل يومي، قد تصل في بعض الشهور إلى مئة شكوى حول التعديات التي ترتكب بحق الصيادين في عرض البحر، والتي قد تتسبب أحيانا بغرق قوارب الصيادين، أو اعتقالهم بحجة أنهم قراصنة"، وهو ما يجعل روايات موتهم في عرض البحر لدى اختفائهم، حاضرة بقوة في قلوب ذويهم، وفق ما تؤكده عائلتان لصيادين فقدوا في عرض البحر، ومنهم سليقة معو، عمة الصياد الصومالي محمد حمدي الذي اختفي منذ 91 يوما، كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن معرفة ملابسات موت الصيادين مستحيلة بالنسبة لهم، ولا يعلمها إلا الله، نتيجة غياب البحرية الصومالية التي من المفترض أن توفر الحماية لهم وتبحث عنهم لدى اختفائهم. وهو ما تؤكده رواية فردوسة عبدالرحمن زوجة الصياد المختفي عيدروس محمد التي قالت لـ"العربي الجديد" إن زوجها كثيرا ما اشتكى من مضايقاتهم بسبب رش القوارب بالمياه الساخنة، وغرق قواربهم البسيطة بسبب الاصطدام مع سفن وبوارج كبيرة، ما يؤدي إلى تحطم القوارب وضياع أدوات الصيد ويصل الأمر إلى إطلاق الذخيرة الحية عليهم من قبل السفن الأجنبية.

الروايات السابقة يعلق رئيس تعاونية هيبو للصيادين عليها، متهما تلك السفن بقتل الصيادين الصوماليين، مشيرا إلى أن هذه السفن تجد دعما من قبل بوارج حربية مشاركة في مكافحة القرصنة قبالة مياه الصومال.



مكافحة القرصنة

تمارس السفن الأجنبية المدججة بالأسلحة، الصيد الجائر في المياه الصومالية، تحت حماية بوارج حربية مشاركة في حماية سلامة التجارة الدولية ومحاربة القرصنة، رغم انحسار الظاهرة التي كانت مصدر قلق للتجارة الدولية بحسب تأكيد الأدميرال فارح أحمد، والذي يقول لـ"العربي الجديد" "يتم لصق تهمة الإرهاب بالصياد الصومالي وإخافته عبر تلك البوارج الأجنبية التي تحمي سفن صيد تتبع تلك الدول، في عملية مكتملة يجري عبرها طمس الشواهد التي تثبت نشاطهم في ممارسة الصيد غير القانوني في مياه الصومال الإقليمية".


وتوقفت عملية اختطاف السفن في السواحل الصومالية من العام 2012 حتى نهاية فبراير/شباط 2017، وفق ما أورده تقرير فريق الرصد المعني بالصومال وإريتريا المرسل إلى رئيس لجنة مجلس الأمن في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والذي أشار إلى أن أول عملية قرصنة جرت لسفينة نقل وقود مملوكة لجهة إماراتية في منطقة فجوة سقطرى، (الواقعة بين الصومال وجزيرة سقطرى اليمنية) عندما كانت في طريقها من جيبوتي إلى مقديشو، في 13 مارس/آذار 2017.

وفي إبريل/نيسان من العام ذاته اختطف قراصنة مركباً شراعياً يتبع الهند في فجوة سقطرى، وسفينة مملوكة لجهة لبنانية بحسب التقرير ذاته، ويؤكد الأدميرال أحمد أن أنشطة القرصنة تراجعت في السواحل الصومالية بشكل ملحوظ، باستثناء وقوع حادثتي اختطاف سفن قبالة سواحل الصومال في الأعوام الماضية، ما يعكس انحسار القرصنة الصومالية، نتيجة للدوريات الأمنية التي تجريها القوات الدولية في مياه الصومال، مشيرا إلى عدم وجود مبرر لما يتعرض له الصيادون من اعتداءات في عرض البحر من قبل السفن الأجنبية.

وتمارس السفن الأجنبية الصيد غير المشروع وتتبع دولا أوروبية وآسيوية بمساعدة بوارج حربية، تجوب في دوريات عسكرية مياه الصومال يوميا بحسب روبلى، مشيرا إلى أن الصيادين الصوماليين يعيشون في حالة من الخوف عند إبحارهم إلى مناطق صيد على بعد 13 ميلا، من أصل 24 ميلا ضمن ما يسمى بالمنطقة البحرية الصومالية، خشية تعرضهم للأذى من قبل تلك البوارج بالرغم من أن تلك المنطقة تعد الأغنى في الثروة السمكية.



إمكانات ضعيفة

يؤكد مدير قسم البيئة والسواحل في وزارة الثروة السمكية والموارد البحرية، محمود حسن، على ضعف إمكانيات القوات البحرية الصومالية المعنية بحماية مياه الصومال الإقليمية، إذ انهارت البحرية الصومالية التي كانت تؤمن سواحل الصومال بعد تفكك الدولة وانهيار الحكومة المركزية عام 1991 بحسب الأدميرال فارح أحمد، مشيرا إلى أنه لم يتبق من قوات البحرية سوى عدد ضئيل، الأمر الذي سيجعل الصيادين الصوماليين عرضة للاعتداءات المتكررة من قبل السفن الأجنبية، وتابع: "عدم عضوية الصومال في اتحادات ومنظمات دولية لمكافحة الصيد غير المشروع، تحرم الصيادين الصوماليين من مقاضاة الجهات التي تعتدي على ثروتهم السمكية".


وأدى غياب قوات خفر السواحل وأنظمة الطوارئ الحكومية إلى ضعف عملية إنقاذ الصيادين، أثناء تعرضهم للانتهاكات، أو الغرق ما تسبب في تزايد أعداد الضحايا على سوحل مقديشو بحسب روبلى، مشيرا إلى أنهم رفعوا معاناة الصيادين المتضررين إلى الجهات المعنية، غير أن تلك الدعوى لم تجد آذانا صاغية، ولم تعمل الحكومة الصومالية على توفير أدني حماية لهم، وهو ما يؤكده القائد السابق للقوات البحرية فارح أحمد، الأمر الذي يقتضي التعاون مع جهات دولية بحسب وزير الثروة السمكية والموارد البحرية الصومالية السابق عبدالرحمن محمد عبده حاشي، والذي قال في منتدى كرنس مونتانا (عقد بالمغرب في 15 مارس/آذار 2018) أن الصومال بحاجة للتعاون مع جهات إقليمية، أو دولية لوضع حد للأنشطة غير المشروعة التي تمارسها سفن دول أجنبية على سواحل الصومال، وما تبعها من مضايقات وتعديات جسيمة ضد الصيادين الصوماليين.

لكن مدير قسم البيئة والسواحل محمود حسن يقول إن الحكومة الصومالية تتعاطى مع معاناة الصيادين الصوماليين، مشيرا إلى أن الوزارة تعاملت مع ملف انتهاكات السفن الأجنبية بحق الصيادين في عرض مياه الصومال من خلال قنوات اتصال مع القوى المشاركة في مكافحة القرصنة لوضع حد لانتهاكات سفن الصيد الأجنبية.