فساد في الملاحات..40% تراجعاً في انتاج الأسماك من البردويل(2/2)

فساد في الملاحات..40% تراجعاً في انتاج الأسماك من البردويل(2/2)

العريش

محمد سليمان

avata
محمد سليمان
30 أكتوبر 2014
+ الخط -
يشتكي المستثمرون المصريون في إنشاء الملاحات على بحيرة البردويل، بشمال سيناء، مما أسموه تعنت السلطات. ويرد هشام أبو قرومة، وهو أحد أصحاب الملاحات، على الاتهامات الموجهة إليهم، قائلاً، إنه أقام ملاحته بموجب القانون 14 لسنة 2012 الذي يسمح لأصحاب الأراضي بنظام وضع اليد باستغلالها في إقامة المناجم والمحاجر بموجب حق الانتفاع.

ويضيف أنه بدأ استصدار الموافقات، بتاريخ 25 يوليو/ تموز 2012، من هيئة الثروة السمكية والبيئة ضمن المستثمرين الذين تقدموا لإنشاء ملاحات في نطاق بحيرة البردويل. وحصل أربعة مستثمرين على موافقات من جهاز شؤون البيئة، اطّلع عليها كاتب التحقيق.

ويشير أبو قرومة إلى أنه ينتظر موافقة  القوات المسلحة والأمن العام، مؤكداً أن الملاحة بدأت في مرحلة نمو الملح، وسيتم حصاده ونقله من الملاحات بعد مرور3 سنوات من إنشاء الملاحة.
ويؤكد أبو قرومة، لـ"العربي الجديد"، أن استثمارات أصحاب الملاحات ستحقق حوالى 250 مليون جنيه (35 مليون دولار) في السنة الواحدة من إنتاج الملح، إلى جانب إقامة المستثمرين مصنعاً لإنتاج الملح بمنطقة "الروضة" على مسافة حوالى 12 كيلومتراً من الملاحات سيقضي على نسبة كبيرة من البطالة في شمال سيناء بتشغيل حوالى 10 آلاف شاب.

موسى عكيرش، صاحب أحد الملاحات، يؤكد هو الآخر أن رجال الأعمال تقدموا للحصول على الموافقات اللازمة في 17 مايو/ آيار 2012 لتشغيل الملاحة من الجهات المختصة.

ويبدو من حديث المستثمرين أنهم لا يتعرضون إلا لمسألة حقهم في وضع اليد على أراضي الملاحات، دون الالتفات إلى المخالفات المتهمين بارتكابها أو إلى محاولة تسويتها.

الموقع أصلاً مخالف

يرى مسؤولون وخبراء أن موقع الملاحات أساساً يهدد حياة الكائنات في البحيرة. ويقول د.موسى عميرة، المدير التنفيذي لبحيرة البردويل، لـ"العربي الجديد" أن "حفر الملاحات قرب شاطئ البردويل يعد هجوماً شرساً يؤدي إلى خفض منسوب مياه البحيرة وقتل كميات كبيرة من الزريعة السمكية".

ويضيف أنه في عام 2010 بلغ إنتاج البحيرة حوالى 5400 طن من الأسماك ليتراجع بعد إنشاء الملاحات خلال 2012 إلى 4900 طن ثم إلى 3200 طن بنهاية 2013.
ويؤكد رئيس جمعية الصيادين، سليمان أبو عيد، أنه تجب إقامة الملاحات بعيداً عن البحيرة مسافة 200 متر، حسب الضوابط التي وضعتها الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، لأن قرب المسافة يعمل على إهدار مياه البحيرة في أحواض الترسيب لاستخراج الملح. ويضيف " لكن هناك ملاحات أقيمت على مسافة 150 إلى 170 متراً فقط".

مخالفات أخرى رصدتها "العربي الجديد"، يقوم بها أصحاب الملاحات، وتهدد الثروة السمكية في البحيرة. أهمها استخدام المواتير لسحب مياه البحيرة إلى الملاحات بسرعة شديدة فتحمل معها أعداداً كبيرة من زريعة الأسماك، ما يساهم في التناقص الحاد في الأسماك.

ويخالف سحب المياه بالمواتير الشروط التي وضعتها هيئة تنمية الثروة السمكية، لأنها تجذب الزريعة إلى الملاحات بما يؤدي إلى خفض منسوب المياه وبخاصة خلال فترة منع صيد الأسماك حين تكبر الزريعة.

المسؤولون يتبادلون الاتهامات

يؤكد رئيس الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، الدكتور خالد الحسني، أن البعض حصل على موافقات من المحافظة ووزارة البيئة لعمل ملاحات على شاطئ البردويل، وإن هذا "أمر في منتهى الخطورة على الثروة السمكية بالبحيرة التي تعد آخر بحيرات مصر النظيفة، ويهدد بالقضاء على الثروة السمكية".

أما العلاقمي، رئيس قسم الملاحات بإدارة المحاجر بمحافظة شمال سيناء، فيرد قائلاً إن الملاحات أقيمت وفقاً لمرسوم بقانون 14 لسنة 2012، الخاص بأراضي وضع اليد.
لكن حلمي، مدير عام إدارة شؤون البيئة بديوان المحافظة نفسها، يعقب على ذلك قائلاً إن "جميع الملاحات المقامة على البحيرة تقع داخل حدود محمية الزرانيق، وبالتالي لا ينطبق عليها قانون وضع اليد، متجاهلاً ما تسببه هذه الملاحات من آثار بيئية سلبية".

ويبدو أن غياب التنسيق بين كل هذه الجهات، والإصرار على سلطتها، يتيح للمستثمرين الحصول على موافقة إحدى الجهات، متجاهلين ما تضعه جهات أخرى من شروط ومواصفات.

المسؤولون يقترحون حلولاً

حاول بعض المسؤولين وضع نهاية لهذه المعضلة باقتراح بعض الحلول، لكن المستثمرين الذين يزعم بعضهم أنهم وضعوا كل أموالهم في مشروع الملاحة، يرفضون أي حلول تتضمن تكاليف إضافية.

يرى عميرة، الرئيس التنفيذي لبحيرة البردويل، أن حلاً سبق طرحه وأخطر به أصحاب الملاحات، يشتمل على مد قناة من البحر مباشرة لتمر بموازاة البحيرة وعلى مسافة 200 متر من الحدود الإدارية للبحيرة، ليتم تغذية الملاحات بالمياه من خلالها.

ويضيف أن المستثمرين رفضوا هذا الحل بدعوى تكلفته العالية وبعد موقع الملاحات عن ساحل البحر حيث "اختاروا الاستسهال في تغذية ملاحاتهم من مياه البحيرة مباشرة".

ويوضح أحد المستثمرين بالملاحات أن هذا الحل سيكلّف قرابة مليوني جنيه (277 ألف دولار). ولا يعد هذا الرقم ضخماً إذا أخذنا في الاعتبار أن أكثر من 20 مستثمراً سيتقاسمونه، وما ستدره هذه المشروعات من عائد ضخم.

الصيادون لا يجدون أسماكاً

تراكمت الديون على الصيادين بعد أن تراجع حجم المخزون السمكي في البحيرة ولم يعد بمقدورهم الإنفاق على مراكبهم ومعداتهم. ولا يستطيع الصيادون رفع دعوى قضائية على المسؤولين عن إنشاء الملاحات، لأنها تكلّف أموالاً طائلة وتستغرق سنوات.

ويشكو الصياد مبارك نغيمش قلة السمك، قائلاً "تراكمت الديون علينا لأن الإنتاج لم يعد يغطي تكاليف الشباك وصيانة المراكب والمعيشة." ويضيف "الملاحات ستدمر البحيرة وتقضي على أسماكها تماماً".

ويشير الصياد شعبان سلامة سويلم، إلى أن موسم الصيد الجديد الذي بدأ في مايو الماضي لم يبشر بخير، حيث طغت نسبة إنتاج القشريات "الجمبري والكابوريا" على الأسماك البيضاء، نظراً لتكاثرها بأضعاف كمية الأسماك. وتزداد القشريات في البيئة المائية حين تقل الأسماك التي تعد عدوها الطبيعي.

وبينما تتصاعد الخلافات بين الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية وأصحاب الملاحات، يبقى صيادو الأسماك ببحيرة البردويل وحدهم يعانون قلة الرزق وانضمام غالبيتهم لصفوف البطالة.

دلالات