مطلوب وحدة وطنية فلسطينية

مطلوب وحدة وطنية فلسطينية

12 يناير 2015

فلسطينيون يواجهون قوة إسرئيلية (09 يناير/2015/الأناضول)

+ الخط -

عندما خرجت السلطة الفلسطينية من سجن المفاوضات العبثية، ولجأت إلى المرجعية الدولية، الموكول إليها تأمين الحقوق المشروعة للشعوب، اتخذت إسرائيل إجراءات انتقامية، تمثلت في تجميد عائدات الضرائب للسلطة البالغة 126 مليون دولار. كما تقدم عضو مجلس الشيوخ الأميركي، راند بول، بمشروع قرار يؤول إلى "وقف فوري" للمساعدات الأميركية للفلسطينيين، إلى غاية ما يوقف انضمامهم إلى المحكمة الجنائية الدولية. ويذكر أن الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أعلن في السادس من يناير/كانون ثاني الجاري، أن دولة فلسطين سوف يتم انضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية في أول إبريل/نيسان المقبل. كما أن الإدارة الأميركية تعيد النظر في ما إذا كانت ستبقي مساعدتها السنوية بمبلغ 440 مليون دولار، في ضوء القرار الفلسطيني بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقال السناتور راند بول "إننا ندفع مبلغ 400 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركية لمن يهددون إسرائيل.
وبالتالي، لن يكونوا حلفاء للولايات المتحدة". وأضاف: "سأقوم بكل الوسائل لحمل الرئيس والكونغرس الجديد على التوقف عن أي مساعدة لأعداء إسرائيل كحلفاء لأميركا". ومن المتوقع أن ينجح مشروع القرار بأغلبية كبيرة، مع احتمال ضئيل لاستعمال الرئيس أوباما حق الفيتو.
الآن، وقد بدأت الردود الإسرائيلية والأميركية على ما قامت به القيادة الفلسطينية، فقد صار

ضرورياً أن تبادر القيادة الفلسطينية إلى إعادة النظر في مؤسساتها، بما يتطابق مع مسؤولياتها المستجدة، إثر المتغيرات التي استولدها قرار الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية.
بادئ ذي بدء، عليها اتخاذ خطوات قد يكون بعضها صعباً، باتجاه تأمين مناعة الوحدة الوطنية الفلسطينية. أولها ترسيخ المصالحة الوطنية بشكل حاسم بين فتح وحماس. كما قيام جبهة وطنية واحدة تضم جميع فصائل المقاومة والمستقلين. وهذا يشكل رداً على اتهام حركة حماس بأنها إرهابية، كما فعلت المحكمة الأوروبية التابعة لمنظمة الوحدة الأوروبية، وبما دفع رئيس وزراء إسرائيل إلى الرد التالي "يبدو أن الأوروبيين لم يتعلموا من الهولوكست -المحرقة - بعدما أسقطت المحكمة حماس من لائحة الإرهاب". أما الولايات المتحدة، انسجاماً مع تحالفها مع إسرائيل، فقد طلبت من الاتحاد الأوروبي عدم رفع العقوبات عن حماس. لذلك، من شأن قرار المحكمة الأوروبية أن يوفر حافزاً إضافياً لتسريع وضمان مناعة الوحدة الوطنية، من أجل تأهيلها أن تكون المرجعية الموحدة لإدارة مستقبل المقاومة الفلسطينية. ولعل السند الشرعي الحاسم في هذا المجال هو مسلسل المواقف البرلمانية في بريطانيا واسبانيا وإيرلندا، إضافة إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين ثاني عام 2012، والذي قرر أن فلسطين دولة تحت الاحتلال. وفي افتتاحيتها في الأول من يناير/كانون ثاني الجاري، كتبت "نيويورك تايمز": "الحقيقة أن احتمال دولتين يتضاءل يوماً بعد يوم، حيث يقاوم اليمين الإسرائيلي قيام دولة فلسطين، وتواصل حكومة نتنياهو توسيع المستوطنات، وبما يجعل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة عملية أكثر صعوبة".
عند لجوء السلطة الفلسطينية إلى استصدار قرار من مجلس الأمن في ديسمبر/كانون أول الماضي، مارست الولايات المتحدة ضغوطاً على الوفد الفلسطيني، لتأجيل هذا الإجراء إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية في مارس/آذار المقبل، إلا أن الجانب الفلسطيني رفض، وعن حق، تلبية هذا الطلب، على الرغم من معرفته أن مشروع قرار المجموعة العربية، إن حصل على تسعة أصوات سوف تمارس الولايات المتحدة الفيتو. المؤسف أن مشروع القرار نال ثمانية أصوات، فسقط من دون لجوء الولايات المتحدة إلى استعمال الفيتو. وقد مارست الولايات المتحدة وإسرائيل ضغوطاً هائلة على رئيس نيجيريا الذي زار إسرائيل مرتين في عام 2014، فامتنع عن التصويت، ما أسقط مشروع القرار العربي.
إزاء فقدان ضبط المصطلحات، خصوصاً منذ اتفاقية أوسلو، ولقاء الرئيس ياسر عرفات مع إسحق رابين في البيت الأبيض، حصل انبهار أدّى إلى الدخول المتسرع في ما سميت "مفاوضات". وهي كانت مجرد مسلسل من المباحثات، بإدارة أميركية، آلت إلى تهميش الأمم المتحدة، وبما مكّن إسرائيل في إمعانها في التمدد الاستيطاني المتواصل، كما إلى الإمعان في تسريع هدم المباني السكنية للعرب، وبما مكن من استيلاء اليهود على معظم مساحة القدس الشرقية، المفروض أن تكون عاصمة دولة فلسطين.
في هذه الأثناء، صارت إسرائيل تشير إلى الضفة الغربية باسم "يهودا والسامرة"، حيث استمرت في بناء المستوطنات فوق أرض ليست محتلة، بل مستولى عليها. وانزلاق الفلسطينيين إلى هذه المصيدة جعلهم سجناء الإطار الذي أجاز لإسرائيل ترسيخ الوضع مع الولايات المتحدة، بعد ربع قرن من "المفاوضات" أدت إلى اكتشاف القيادة الفلسطينية وقوعها في مصيدة التنظير الأميركي الإسرائيلي، وعدم إصرارها على اعتبار المستوطنات، كما الاعتداءات على قطاع غزة، جرائم حرب.
الآن، وبعد أن تحررت القيادة الفلسطينية من إطار "عبثية" التفاوض، عليها تفعيل قرار انضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية، لإرساء الإجراءات التي حان وقت اتخاذها من دون تردد. وهذا يعني إحداث تغيير جذري في إدارة الصراع، بتأكيد الوحدة الوطنية وتفعيل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وفي طليعتها القرار الذي يحدد فلسطين دولة تحت الاحتلال، وقيام حكومة تمثل الوحدة الفلسطينية، وإلغاء السلطة الفلسطينية لصالح حكومة وحدة وطنية، وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، دعماً لمبادرته، ومساندة لوحدة الشعب، من أجل تمكينه لإنجاز حقوقه المستباحة والمغيبة. بذلك، يصبح الوضع الفلسطيني قادراً على رفض الإملاء والخروج من سجن اللاحسم بعد ربع قرن تقريباً. وبوضوح الموقف، تسترجع جماهير الأمة وحدتها، والتزامها بقضية فلسطين، وأيضاً التزامها بوحدة الأمة وجماهيرها.