مصر: فشل الرقص عنواناً للمرحلة

مصر: فشل الرقص عنواناً للمرحلة

29 مايو 2014

مصريات يبتهجن في القاهرة بالسيسي رقصاً (يناير 2014 Getty)

+ الخط -
تصوّرَ عبد الفتاح السيسي، عند تنفيذ انقلابه على المسار الديمقراطي في مصر، أن في وسعه إتقان اللعبة، بتوفير الشروط المناسبة لها، سواء من الناحية الدعائية، وهو الذي قام بتأميم كل المشهد الإعلامي وتجييره لصالحه، أو بممارسة أقصى أشكال القمع الدموي وأقساها ضد خصومه السياسيين، من أجل إبعادهم من المشهد السياسي، وأخيراً من خلال تنظيم انتخابات تنافسية شكلية، من أجل اكتساب شرعيةٍ، شكلت عقدة بالنسبة إليه، وهو الذي أطاح أول رئيس جاءت به انتخابات تعددية فعلية، وفي جو ديمقراطي حقيقي.

يدرك كل من يملك الحد الأدنى من الثقافة السياسية الفعلية أن القمع والقوة يؤسسان واقعاً، ولا يضفيان شرعية، فهناك فرق بين الأمر الواقع، القائم على العنف ونفي الحريات والإلزام وإشاعة جو الخوف، وهو ما مارسه السيسي عبر الإعلام الموالي له، من خلال فكرة محاربة الإرهاب وحماية مصر من خطر التشطير والانقسام، وبين الأمر المشروع، وهو أن يكون الحكم نابعاً من إرادة المحكومين، وأن يبقى الحق قيمة أخلاقية، تتوفر للفرد، من دون إلزام وخوف، بل من خلال الشعور بالواجب والاحترام للقانون، وكما يقول جان جاك روسو "القوة لا توجد الحق، وليس للمرء أن يطيع إلا ذوي السلطان الشرعي".
قام النظام الانقلابي على أساس القوة، وممارسة كل أشكال العسف، من أجل دفع غالبية الشعب المصري للخضوع، خصوصاً بعد الحراك الثوري، في 25 يناير/كانون ثاني 2011، وتزايد الرغبة في معانقة الحرية، بعيداً عن كل أشكال الوصاية. وعلى الرغم من تقنية التخويف التي اعتمدها قائد الانقلاب، في تبرير فعلته، برغبته في منع الحرب الأهلية، وانزياح مصر إلى الفوضى، غير أن الوقائع تقول إن القوة إمكانٌ يؤدي إلى العنف. وأن يقام النظام السياسي على حراب العسكر، لا يفضي ذلك إلا إلى استقرار هش، ذلك أن المواطن، في هذه الحالة، لا يطيع السلطة تلقائياً، وإنما إلزامياً، بفعل القوة، ما يجعل مثل هذه الطاعة تزول بزوال الخوف من القمع، وهو ما نلاحظه في استمرار التظاهرات في الشارع المصري، ورفض نظام الحكم الوافد على ظهر دبابة.
محاولة التلاعب بالعقول، ودفع بعض المغيبين للتعبير عن مساندتهم للانقلاب، والرقص في الشوارع، هو تعبير هزلي لصورة الرقص على الأشلاء، في لعبة سياسيةٍ، كانت، منذ بدايتها، دموية وغارقة في العنف، وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات المعلومة سلفاً، قبل أن تجري، فإن دروس الانقلاب المصري تثبت أموراً عدة، لعل أهمها:
ـ إن الشعب المصري ظل ممانعاً، ولم يخضع للعبة القمع والتخويف، وهو ما نرى أثره في المقاطعة الواسعة للعملية الانتخابية برمتها، بعيداً عن النتائج الفلكية التي يتم إعلانها في عملية دعائية ممجوجة، لم تعد تقنع أحداً، أو تثير الإعجاب.

ـ إن الطاعة لا تكون بالإلزام، وكما يؤكد روسو، فإن الخضوع لنظام انقلابي هو فعل من "أفعال الضرورة"، وليس من " أفعال الإرادة"، بمعنى أن الشعب المصري لن يتجاوب إرادياً مع أي نظام قمعي، يحاول أن يعيده إلى زمن الاستبداد، ما بدا واضحاً في المقاومة السلمية، بأشكالها المختلفة، سواء في تظاهر بعض القطاعات الشعبية، أو المقاطعة الواسعة، وفي صمت، للانتخابات الهزلية.
ـ إن النموذج الانقلابي المصري، والذي حاولت قوى دولية تسويقه، سواء في الصمت عليه (جهات غربية)، أو في دعمه، وترويجه إعلامياً (قوى عربية) قد فشل تماماً، وتحول إلى كابوس فعلي، وليس حلماً تطمح إليه باقي شعوب الربيع العربي.
ـ إن الرقص على دماء الشهداء الذي مارسته قوى سياسية مصرية، وبررته عمائم دينية، تحول إلى لعنةٍ تصيب أصحابها بمقتل، سواء في ضعف امتدادها الشعبي، أو في تحولها إلى نكتة هزلية، تثير السخرية لدى الجماهير العربية، في مختلف أقطارها.
لقد فشلت لعبة العسكر بكل المقاييس، وسيكون لهذا الفشل أثره المدوي في الحياة السياسية المصرية، والعربية عموماً، بالنظر إلى أن الشعوب لم تعد في مزاجٍ يسمح لها بقبول أنظمة حكم استبدادية، تسوقها بالعصا، وهو ما سنرى له أثراً، في المشهدين الليبي والتونسي. فانقلابيو ليبيا لن يكون حالهم أفضل من نظرائهم في مصر، بل ربما سيكون أسوأ، بالنظر إلى الوضعية المتشابكة، وشديدة التعقيد التي تحوطهم (وجود قوى ثورية مسلحة تحمي خيارات الشعب). أما في تونس، فإن حلم الانقلاب وإطاحة النظام الديمقراطي بدأ يتبخر تدريجياً، منذ مجيء حكومة التوافق الوطني، فقد أدرك الشعب التونسي، في غالبيته، أن لعبة العسكر والعنف والفوضى لن تجلب سوى الخراب، والمزيد من المعاناة، فالنموذج المصري الذي تحمس له بعضهم فشل، في عشرة أشهر، في أن يجلب استقراراً، أو أن يصنع أماناً اجتماعياً، أو يحقق ازدهاراً سياسياً.
عهد الانقلابات العسكرية لفظ أنفاسه الأخيرة، وما جرى في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في بلدان عربية كثيرة، وسط تعتيم إعلامي وغياب جماهيري، لم يعد من الممكن استيراده، ومن تصوّر لحظة من دهاقين السياسة، وعجائزها التاريخيين، أنه من الممكن الاستغناء عن الشعوب، وتحويلها إلى مجرد قطيع، يسوقونهم بالعصا، قد أساؤوا التقدير .. سقط عبد الفتاح السيسي أخلاقياً، قبل أن يسقط واقعياً في الأيام المقبلة، لأن حركة الشعوب العربية نحو الحرية لن تتوقف، وهي تستلهم صمودها من دماء الشهداء، وليس من عرق الراقصات وأصوات المغنين المنافقين.
 
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.