ما الذي أفضى إلى النكبة؟

ما الذي أفضى إلى النكبة؟

14 مايو 2014

لوحة عن النكبة على جدار في مخيم جنين (أ.ف.ب)

+ الخط -

(1)
في 16 مايو/أيار 1916، تبادل الدبلوماسي الفرنسي، فرانسوا جورج بيكو، والبريطاني، مارك سايكس، وثيقتي تفاهم توجت جولة مفاوضات سرية بين بلديهما، بخصوص اقتسام تركة الإمبراطورية العثمانية في المشرق العربي، وأصبحت فلسطين التي كانت تنتظر تحررها من النير العثماني، مع بقية الأجزاء العربية من حصة بريطانيا. ولم يسمع العرب بهذا التفاهم السري، إلا بعد أن كشفت روسيا الأمر، بعد ثورة 1917، لكن العرب صدّقوا مزاعم بريطانيا أن الاتفاقية أصبحت في حكم الملغاة، بعد دخول العرب الحرب إلى جانب الحلفاء! 
(2)
 في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، وجه آرثر جيمس بلفور رسالة إلى رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، اللورد روتشيلد، يقر فيها بتأسيس "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين"، إذ أعطى من لا يملك إلى من لا يستحق، وكتب يقول "ليس في نيتنا مراعاة مشاعر سكان فلسطين الحاليين (العرب). إن القوى الأربع الكبرى، بريطانيا وفرنسا وأميركا وروسيا، ملتزمة بالصهيونية، لأنها متأصلة الجذور في التقاليد القديمة العهد، وفي الحاجات الحالية، وفي آمال المستقبل، وهي أكبر بكثير من رغبات السبعمائة ألف عربي الذي يسكنون هذه الأرض (كان تعداد اليهود في فلسطين آنذاك لا يزيد على 63 ألفا)!
في حينها، غضب العرب، لكنهم صدّقوا، مرة أخرى، وعد بريطانيا لهم بأنها ستراعي مصالح العرب، ولن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين، والذي حملته رسالة طمأنة إلى شريف مكة الحسين بن علي في حينه!

 
(3)
في عام 1920، اختار البريطانيون هربرت صموئيل ليكون مندوباً سامياً لهم هناك، وقد اختير لدفاعه عن الصهيونية، ولثقتهم في أنه يستطيع أن يجسد وعد بلفور في (وطن)، وكان، قبل ذلك، قد رفع إلى حكومته مذكرة، اقترح فيها إنشاء محمية في فلسطين، ترعاها بريطانيا، وتتسع لتوطين ما لا يقل عن ثلاثة آلاف يهودي مهاجر، وصولاً إلى "تشكيل دولة ذات سيادة تكون مركزاً لحضارة جديدة"، ولم يسمع العرب بذلك إلا بعد وصول صموئيل نفسه إلى فلسطين، وكان أن عبروا عن غضبهم، خصوصاً بعد إقرار بريطانيا قانون تسهيل هجرة أكثر من 15 ألف يهودي.
مرة أخرى، احتوت بريطانيا الغضب العربي، وتظاهرت بتغيير سياستها في فلسطين،  وتركت، لبراعة صموئيل ودهائه، تحقيق ما تريده، وفي خطة ترضية، شكل صموئيل مجلساً استشارياً، ضم عددا من اليهود إلى جانب عدد مضاعف من العرب، لكنه، في المقابل، أعطى اعترافاً رسمياً بإطلاق اسم (أرض إسرائيل) على الأراضي الفلسطينية، في مخالفةٍ صريحةٍ، لعقد الانتداب نفسه، واستخدم (هكذا يذكر المؤرخون) مهارته في إقناع الأعضاء العرب بقبول الاسم الجديد، وجرى تبعاً لذلك إدخال الاسم في الوثائق الرسمية والطوابع البريدية. وسعى وطنيون فلسطينيون إلى الطعن في قانونية هذا الإجراء أمام القضاء، لكن القضاء التابع لإدارة الاحتلال رفض الطعن المذكور. وفي خطوة لاحقة، اعترف صموئيل بالعبرية لغة ثانية في الأراضي الفلسطينية!
وعقد الزعماء الفلسطينيون مؤتمراً لهم، عبروا فيه عن احتجاجهم على الخطط البريطانية، ورفضهم تحويل بلدهم إلى "وطن قومي" لليهود، لكن بريطانيا لم تأبه لذلك، وواصلت تنفيذ خططها الشريرة!
(4)
في العشرينيات، قدمت إلى فلسطين سيدة بريطانية، تدعى مسز زولد للسياحة والاستجمام (هكذا قيل!)، وطابت لها الإقامة الدائمة هناك، وعُرف فيما بعد أنها عضو في الوكالة اليهودية الصهيونية، وساعدت على جلب آلاف الأطفال والشباب اليهود من أوروبا على دفعات، بدعوى تدريبهم في المزارع، وتأهيلهم للعمل في المجالات التي تتطلب مهارات معينة، وقد حصلوا على الإقامة الدائمة هناك، واتضح لاحقاً أنهم حلقة من حلقات مشروع استيطاني واسع، شمل هجرة آلاف من يهود أوروبا، ووصل عدد المهاجرين، مع تأسيس الدولة عام 1948، إلى أكثر من 600 ألف.
(5)
في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها السيئ الصيت، تقسيم فلسطين إلى دولتين، يهودية وعربية، وبالطبع، رفض العرب ذلك، وشرع قادتهم في تهيئة مستلزمات الرد على الخطوة. لكن، يبدو أن الرد جاء متأخراً، إذ تسارعت الأحداث  وفق ما خططت لها بريطانيا والقوى الغربية والمنظمات الصهيونية التي كانت قد هيأت نفسها، منذ عقود، لكل الاحتمالات، فيما ظل العرب، كل تلك العقود، ينتظرون أن تحقق لهم بريطانيا ما كانت تعدهم به.
(6)
في 14 مايو/أيار 1948، أعلنت بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين، بعد أن أمنت موطئ قدم للميليشيات الصهيونية، ومكنتها من أخذ مواقع لها على الأرض الفلسطينية. وفي اليوم التالي، أعلن مولد دولة (إسرائيل)، ودخلت جيوش من ست دول عربية فلسطين، إضافة إلى جيش الإنقاذ الذي أنشاته جامعة الدول العربية، بهدف تطهيرها من الميليشيات، لكنها هزمت في مواجهات عديدة، بسبب انعدام عنصر الحسم على المستوى الاستراتيجي، وعدم توفر التنسيق بينها، وضعف تسليحها، ما اضطر العرب إلى قبول الهدنة بعد سبعة شهور. وخرج الصهاينة من الحرب بإحكام سيطرتهم على معظم الأراضي الفلسطينية، وتشريدهم نحو 800 ألف فلسطيني من ديارهم، وحرق مئات القرى وتدميرها، وفتح باب الهجرة ليهود العالم لاستكمال عملية بناء الدولة، ولم يجد العرب، آنذاك، سوى أن يندبوا حظهم العاثر الذي أوقعهم في نكبة كهذه.
(6)
ما أفضى إلى النكبة الفلسطينية في 1948 كان أحد أمرين، أن العرب لم يكونوا قد تعلموا القراءة بعد، أو أنهم لم يريدوا أن يتعلموا. وأغلب الظن أنهم مازالوا إلى اليوم بين الأمرين.

 

دلالات

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"