كَسَب ... سقوط أكذوبة المناطق العازلة في سورية

كَسَب ... سقوط أكذوبة المناطق العازلة في سورية

26 يونيو 2014

كسب أثناء معارك مارس/آذار 2014 (getty)

+ الخط -

لم يغادر من فشلوا، طوال العام الماضي، في قيادة ما بقي من ثورةٍ، رهانهم على تدخلٍ أجنبي في سورية، أعطوه، تارة، صورة تسليح مفتوح للجيش الحر، وطوراً، شكل ممرات آمنة، أو مناطق عازلة، يزعمون أن الخارج يريد إقامتها بين دول مجاورة وسورية. بشهادة الوقائع ومجريات الصراع، من المستحيل أن يبادر العالم إلى إقامة مناطق كهذه، في الظروف الراهنة. أما بشهادة الائتلاف وملابساته، فإن هؤلاء يروجون هذه المناطق لأغراض محض شخصية، تعبر عن الرغبة في قيادة الائتلاف بالواسطة، بعد أن غدت قيادته بصورة مباشرة مستحيلةً، بقوة نظامه الداخلي ومعارضة عدد كبير من أعضائه، بمن فيهم أعضاء في الكتلة الديموقراطية، التي أعيد إحياؤها أخيراً، ولكن، ليس حباً بالديموقراطية، وإنما لاستخدامهم كتلة انتخابية، تعطي أصواتها لرئيسٍ جديدٍ، يعلم كل عضو فيها، وفي الائتلاف، أنه لن يكون غير ستارة لا حول لها ولا قوة، ستسير الأمور بواسطتها، ريثما يستعيد صاحب السلطة موقعه منها.
يتحدث هؤلاء، اليوم، عن منطقةٍ عازلة، ضاربين عرض الحائط بحقائق تفقأ العين، هي أن بلدة كسب سقطت، بعد موافقة الخارج المزعومة على إقامتها، وأنها تبعد أمتاراً قليلة عن حدود تركيا، الدولة التي يُدّعى أن المنطقة المزعومة ستقوم إلى جوارها، على الرغم من أن قيادتها لم تعلن إلى اليوم، تلميحاً أو تصريحاً، ما ينم عن رغبتها في قيامها قربها أو بمساعدتها، وأنها أخذت تظهر ميلاً واضحاً إلى إعطاء الأولوية في اهتماماتها للعراق، وللتشابك بين مجرياته وبين الحدث السوري، بعدما لاحظت، مثل غيرها من الدول، أن دخول أميركا على خط العراق سيغير مواقف وحسابات وأدوار جميع أطراف الصراع داخل سورية وخارجها، وأن إعادة الحسابات ستؤجل، أو تلغي، إقامة المنطقة العازلة، إن كان صحيحاً أنه تقرر بالفعل قيامها، كما يزعم المروجون لها، لعلَّ أعضاء الائتلاف عامة، والكتلة الديموقراطية خصوصاً، يصدقون أكذوبتهم، ويبقونهم في القيادة، لإكمال ما بدأوه، وتطبيق ما اتفقوا عليه مع الخارج.
كيف يفسر هؤلاء سقوط كسب التي لا شك في أن أي منطقة عازلة ستشملها؟ ولماذا سمح العالم، ويقال إنه طالب!، بانسحاب قسم كبير من القوى المرابطة فيها من دون قتال، إن كانت جزءاً من منطقةٍ عازلةٍ ستقام بعد انتخابات الائتلاف الوشيكة جداً؟ هل كانت تركيا ستسمح بسقوط كسب ومنطقتها الساحلية، لو كان صحيحاً أنه تقرر قيام منطقة عازلة، هي جزء رئيس فيها، لوقوعها قرب البحر، ولم يبق غير منح الثقة لقيادة الائتلاف الحالية، لكي تكمل ما بدأته: إقامتها؟ وهل صحيحٌ أن غياب هذه القيادة عن المسرح سيحول دون قيام منطقةٍ عازلةٍ، وافق العالم عليها وقرر إقامتها؟ وهل صحيحٌ، أخيراً، أن العالم لا يثق إلا بأشخاص هذه القيادة، دون جميع أعضاء الائتلاف؟ إذا كان هذا صحيحاً، كيف نفسر تصريح باراك أوباما الذي يعتبر صفعةً مباشرة لها بالذات، بما أنه قاله، بعد شهر من لقاءٍ عقده مع الأستاذ أحمد الجربا في واشنطن، قالت أوساطه، يومها، إنه سينعطف بالصراع نحو مواقف أميركيةٍ/ ائتلافيةٍ موحدة، فيها خلاص الشعب الذي طال انتظاره، وها هو التصريح يعلن عكس ما قالته هذه الأوساط، ويتنصل بلغةٍ واضحةٍ من "المعتدلين" الذين يفترض أن الأستاذ الجربا يمثلهم، بصفته رئيساً لائتلافهم؟ هل يقيم أوباما منطقة عازلة مع أشخاصٍ، قال إنهم لن يسقطوا نظام الأسد، أو ينتصروا عليه، وأخبرهم، بكل صراحة، في لقائه معهم أن أميركا ستتعامل مع الأحداث، قطعةً بعد قطعة، ولا تريد إلزام نفسها بأي شيء يملي عليها مواقف وسياسات محددة مسبقاً؟ هل يجوز اختيار شخص رئيساً للائتلاف، إن كان لا يرى من سبيلٍ لبلوغ الرئاسة، غير فبركة أكذوبةٍ في حجم الزعم أن منطقة عازلة ستقام، ولكن، مع أشخاصٍ بعينهم في الائتلاف الذي يجب أن يكون هو دون جميع خلق الله رئيسه؟ ألا يعني رفض تأييده أن أعضاء الكتلة الديمقراطية ارتكبوا خيانةً وطنيةً موصوفةً، ومكتملة الأركان، لأنهم رفضوا، برفض رئاسته، إقامة منطقة عازلة يعني وجودها بداية انتصار الثورة وكسب الحرب؟
سقطت أكذوبة "المنطقة العازلة" بسقوط كسب، وانتشار "داعش" على الحدود وفي المعابر. ولا بد أن يسقط، بعد اليوم، نهج الكذب والرهان على الخارج، بإسقاط من يتلاعبون، لأغراض ومآرب شخصية صغيرة، بالديمقراطية والديمقراطيين، وبالوطن والثورة، وبالشعب السوري وتضحياته!
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.