غياب الثقة الدولية يزيد المخاوف من تبعات انفجار بيروت

غياب الثقة الدولية يزيد المخاوف من تبعات انفجار بيروت

08 اغسطس 2020
تطلب "هيومن رايتس ووتش" تحقيقاً مستقلاً في الانفجار (حسين بيضون)
+ الخط -

على الرغم من الدمار الكبير الذي خلّفه انفجار مرفأ بيروت الذي وقع الثلاثاء الماضي، وأسفر عن مقتل 154 شخصاً حتى الآن وإصابة أكثر من 5 آلاف آخرين، تقدر مؤسسات الأمم المتحدة أن تبعاته ستكون أكبر من ذلك بكثير لعوامل عدة، من بينها الوضع الذي كان يعيشه لبنان سياسياً واقتصادياً قبل الحادث، وأسباب أخرى منها الفساد وسوء الإدارة. كذلك هناك مخاوف تتعلق بشفافية التحقيقات المتعلقة بأسباب الحادث. وكان نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، قد قال في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إن الأمم المتحدة على أهبة الاستعداد للمساعدة في التحقيقات إذا طُلب منها ذلك، وأنه حتى اللحظة لم يُقدَّم أي طلب رسمي بذلك من الحكومة اللبنانية. كما لا يبدو أن المجتمع الدولي يرغب بالتحرك بهذا الاتجاه، على الأقل حالياً. وتوقّع أن تُخصص أموال إضافية من الصندوق المركزي للطوارئ لتوفير احتياجات طبية إضافية طارئة لدعم المستشفيات والمرافق الطبية في معالجة المصابين من الانفجار. ومع تأكيد الأمم المتحدة أنها تقوم بمراقبة برامجها والتأكد أن كل مساعداتها تصل إلى المحتاجين، فهي خصصت حتى الآن تسعة ملايين دولار من صندوق المساعدات الإنسانية للبنان من أجل تلبية الاحتياجات الفورية ودعم قدرة المستشفيات على استيعاب ضحايا انفجار الثلاثاء في مرفأ بيروت.


أثّر الانفجار أيضاً على عمليات الإغاثة في الداخل السوري

كما أرسلت منظمة الصحة العالمية إمدادات إلى بيروت، ومن المتوقع أن تلحقها إمدادات إضافية. لكن التسعة ملايين دولار والمساعدات الأخرى لا تعد أكثر من نقطة في بحر من حجم المساعدات الضرورية، لا سيما في ظل حجم الاحتياجات الهائل والمباشر نتيجة الانفجار، مع تسجيل أكثر من خمسة آلاف جريح، وتشريد قرابة الثلاثمئة ألف من سكان بيروت، والدمار الذي حل بالبنية التحتية، إذ باتت أغلب المباني في بيروت القريبة من مكان الانفجار غير صالحة للسكن. هذا عدا الأضرار البيئية والاقتصادية والاجتماعية. وكل ذلك يأتي في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية خانقة كان يعيشها ملايين اللبنانيين واللاجئين في لبنان قبل الانفجار.

ويعمل مكتب الأمين العام لتنسيق الشؤون الإنسانية، مع المؤسسات اللبنانية الرسمية المختلفة، لتقييم الوضع وحجم المساعدات اللازمة. ومن المتوقع أن يقدّم مساعد الأمين العام ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة، مارك لوكوك، تقييمه الرسمي للوضع وحجم المساعدات الإنسانية اللازمة خلال اجتماع لهيئة المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة يعقد الإثنين في نيويورك.

إلا أن هناك تحديات إضافية تواجه الأمم المتحدة وهي عدم الثقة في الحكومة اللبنانية إلى جانب الفساد المستشري. وقد يبدو الأمر للوهلة الأولى لا علاقة له بالأمم المتحدة بشكل مباشر، لكن أموال المانحين كما الاستثمارات وتوزيع المساعدات الإنسانية وبرامج الدعم، تأتي بالتنسيق مع السلطات اللبنانية. وهذا هو الإجراء المتّبع في كل عمليات الأمم المتحدة وبرامجها لتقديم المساعدات الإنسانية، إذ عليها احترام سيادة الدول والعمل بالتنسيق مع مؤسساتها. لكن السؤال الذي يُطرح هل سيؤثر انعدام الثقة بالمؤسسات اللبنانية الرسمية، ليس فقط من قبل المواطنين بل ربما كذلك من بعض الدول المانحة والمؤسسات الدولية، سلباً على حجم المساعدات التي ستُقدّم إلى الأمم المتحدة لبرامجها في لبنان؟

في المقابل، تطالب منظمات حقوقية غير حكومية، كمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، أن يتم إجراء تحقيق مستقل حول أسباب الانفجار على يد خبراء دوليين ورفع توصيات لضمان عدم تكرار الحادث ومحاسبة المسؤولين. وتعلل المنظمة مناشدتها تلك بالتقاعس المستمر للسلطات اللبنانية عن التحقيق في الإخفاقات الجدية والخطيرة للحكومة في الماضي، كما انعدام الثقة من قبل اللبنانيين في المؤسسات الحكومية.

وجاءت أزمة فيروس كورونا لتزيد الطين بلة. وقدّر تقرير صادر عن "أوتشا" نهاية الشهر الماضي أن قرابة 90 في المائة من السوريين وحوالي 80 في المائة من الفلسطينيين في لبنان إما فقدوا مصادر رزقهم أو تم تخفيض رواتبهم منذ بدء تفشي الوباء، وحتى قبل ذلك. وأشار التقرير كذلك إلى أن حوالي 16 في المائة من السوريين العاملين في قطاع البناء فقدوا عملهم، وهو أحد قطاعات العمل التي يُسمح للسوريين بالعمل فيها. ولم يسلم اللبنانيون من الأزمة، إذ طاولت قرابة 70 في المائة منهم، فإما فقدوا وظائفهم أو خفضت رواتبهم.

وتوقّعت المتحدثة الرسمية باسم برنامج الأغذية العالمي في نيويورك، شذى المغربي، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، أن يزيد الانفجار من حدة الأزمة التي كان لبنان يعاني منها أصلاً قبله. وشرحت المغربي أن لبنان يستورد قرابة 85 في المائة من احتياجاته الغذائية، وهذا يعني أن تعطّل المرفأ سيزيد من نقص المواد الغذائية والذي بدوره سيرفع الأسعار التي كانت قد تضاعفت خلال الأشهر الستة الماضية. وعمّقت أزمة كورونا من الأزمة الاقتصادية التي كان يشهدها البلد. قبل الانفجار كان برنامج الغذاء العالمي يقدم المساعدات الغذائية لقرابة 650 ألف لاجئ سوري في لبنان على شكل سندات مساعدات ومخصصات مالية. كما يقدّم البرنامج مساعدات لأكثر من 100 ألف لبناني محتاجين من خلال البرنامج الوطني الحكومي لاستهداف الفقر.


لبنان يستورد قرابة 85 في المائة من احتياجاته الغذائية

ولا تقتصر تبعات التفجيرات على لبنان وحده، فمن المتوقع أن يؤثر ذلك على عمليات الأمم المتحدة للإغاثة في سورية لأن أغلب المساعدات الإنسانية تمر من لبنان إلى سورية عن طريق ميناء بيروت. ويقدّم برنامج الأغذية العالمي المساعدات الغذائية لقرابة خمسة ملايين سوري داخل سورية. لكن التقديرات التي أصدرها البرنامج أخيراً، على أثر أزمة كورونا، تشير إلى ارتفاع في عدد السوريين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي داخل سورية بحوالي 1.4 مليون شخص إضافي. وبهذا يصل عدد الذين يعانون من نقص في الأمن الغذائي في سورية إلى حوالي 9.3 ملايين سوري.

وتنفس المسؤولون في الأمم المتحدة الصعداء عندما أصبح واضحاً أن سفناً محملة بمساعدات إنسانية لسورية كانت قد غادرت مرفأ بيروت قبل الانفجار. لكن طواقم الأمم المتحدة ومبانيها لم تسلم من التفجير في بيروت هي الأخرى. ويقدَّر عدد المصابين بقرابة المائة شخص من بين طواقمها للمساعدات الإنسانية وقوات حفظ السلام "اليونيفيل"، كما أصيبت باخرة تابعة لها. وتدرس الأمم المتحدة تحويل مساعداتها إلى طريق الموانئ القبرصية والتركية. وإضافة إلى التحديات اللوجستية تواجه الأمم المتحدة تحديات جديدة من بينها أن أغلب برامجها للمساعدات الإنسانية، عموماً، لم تحصل على التمويل الكافي، فازدياد حجم الأزمات حول العالم، واستمرار الصراعات يعمّقان من حجم الأزمة الإنسانية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

المساهمون