عودة دولة القمع

10 يوليو 2014
+ الخط -


تسعى دولة القمع والفساد إلى القضاء على كل من يخالفها الرأي، لا لشيء، إلا لأنها منظومة فساد وقمع بطبعها. لكن، ثمة مغالطة تحليلية شائعة بين بعض الأوساط، مفادها أن الدولة القمعية تتلخص وسائلها في القمع الأمني، لكن المتأمل في أي دولة قمعية يجد أن وسائل القمع تتنوع وتزداد، فتارة تكون باستخدام رجال الشرطة المسلحين، والقمع الأمني، بما يجلب من أعمال قتل واعتقال، وتارة تكون باستخدام رجال الأعمال المحتكرين للأسواق، وقمعهم المصالح الاقتصادية لباقي المجتمع، وتارة تكون باستخدام رجال الدين والإعلام والقضاء، بما لديهم من قدرة على التأثير، وتغيير قناعات العامة، مشكلين نموذجاً واحداً من الرأي الموافق، أو الصامت عن رغبات مؤسسة الفساد.

بنظرةٍ متفحصةٍ على عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، تجد منظومة القمع المذكورة موجودة بكامل أركانها، إلا أنها لم تكن ظاهرة، أو بمعنى آخر، لم يكن مبارك بحاجة إليها كاملة. فقد استطاع من خلال بعض الاعتقالات، وبعض الاحتكارات الاقتصادية، أن يجعل معظم أبناء الشعب في حالةٍ من الخوف، بالتوازي مع حالة من الاحتياج المادي الذي كان يؤدي إلى الاشتغال بوظيفتين، أو أكثر لسد الحاجة.
إلا أن الكبت الأمني والاقتصادي والقضائي، الذي انتهجه مبارك، أدى إلى انفجار ثورة 25 يناير، وتحت ضغط الثورة، هدأت حدة قمع مؤسسة الفساد. إلى أن جاءت الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة، بما لا تشتهيه مؤسسة الفساد، فالرئيس ليس من أبنائها، بل إنه أحد الذين طال صراعهم مع كل فساد في مجلس الشعب وغيره من مؤسسات الدولة. هذا ما اضطر نخبة القمع وأصحاب الفساد للجوء إلى آخر الحلول، واستخدام الذراع المسلحة، أي الجيش، ليقوم بانقلاب عسكري يلغي إنجاز ثورة 25 يناير.

عادت دولة الفساد بكل وسائلها القمعية إلى الظهور، فوجدنا الشرطة تعتقل وتقتل، وتساعدها الشرطة العسكرية في إتمام المهمات القمعية، ووجدنا رجال الأعمال الذين فضحت الثورة سرقاتهم، عادوا ليتصدروا المشهد مرة أخرى، ووجدنا الإعلام الذي يؤيد القمع، ويلوم المظلوم، خصوصاً بعد إغلاق أي قناة تمثل الطرف المُضطَهَد، ووجدنا القضاء يؤدي وظيفته القمعية على أكمل وجه، يصدر الإعدامات بالجملة على كل مندد بالانقلاب، وفي لجان الانتخابات يقوم بالتزوير على أكمل وجه.

إذن؛ دعونا نعترف بنجاح مؤسسة القمع والفساد في الانقضاض على الثورة، لكن، لنتفاءل أيضاً بأنها لم تستطع قتل رغبة الحرية والكرامة التي خُلقت فينا بطعم جديد في 25 يناير، وهذا ما ينبئ بغدٍ مصريٍ أفضل وأجمل، إذا لم يتوقف نضالنا.

32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
إسلام فتحي (مصر)
إسلام فتحي (مصر)