عن محاسبة وزيرين في تونس

14 مايو 2014

الوزيران لدى وصولهما إلى المجلس التأسيسي (مايو 2014 أ.ف.ب)

+ الخط -
انتهى عهد الوزير الذي لا يراقبه أحد في تونس، سوى رئيس الجمهورية والأجهزة الأمنية. وما حدث مع وزيرة السياحة، آمال كربول، والوزير المعتمد لدى وزير الداخلية المكلف بالأمن، رضا صقر، مثال جديد على ذلك بعد الثورة. بدأت القصة عندما تقدم 81 نائباً في المجلس الوطني التأسيسي بلائحتي لوم للوزيرين، لقرار صقر، أخيراً، السّماح لمجموعة من حاملي الجنسيّة الإسرائيليّة الدّخول إلى التّراب التّونسي، واستقبالهم من الوزيرة كربول، واعتبر أولئك النّواب القرار "خرقاً لأحكام الدّستور، ومن أشكال التّطبيع مع الكيان الصّهيوني، بوصفها دولة احتلال واستيطان".
وعبّر رئيس الحكومة، مهدي جمعة، عن امتعاضه، لكنه قبل بحق المجلس في القيام بدوره الرقابي، غير أنه، ونظراً لحساسية الموضوع، أمنياً واقتصادياً، طالب بأن تكون الجلسة مغلقة. عندها، انقسم النواب بين متفهمين للطلب ورافضين له، بحجة أن من شأن ذلك أن يحرم حق المواطنين التونسيين في الوصول إلى المعلومة، ما يتعارض مع الفصل 49 من الدستور الذي يسمح بتنظيم جلسات سرية، ولكن، شريطة أن تكون هناك "ضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية، وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة".
بعد التصويت، انحازت الأغلبية إلى صيغة الجلسة العلنية التي حضرتها وسائل الإعلام. بقطع النظر عن خلفيات هذه المسألة، وتداعياتها السلبية على قطاع السياحة في هذا الظرف الصعب الذي تمر به تونس، إذ ألغيت رحلات سياحية كثيرة في يومين، ما جعل أصحاب الوكالات السياحية التونسية يتجمعون أمام المجلس، ليدافعوا عن الوزيرة، وينتقدوا بشدة أطرافاً في المعارضة، ويطالبوا بإبعاد القطاع السياحي عن التجاذبات الحزبية والسياسية. وعلى الرغم من ذلك، مكّنت الجلسة العلنية للمحاسبة الرأي العام من الاطلاع على تفاصيلها بشفافية غير مسبوقةٍ في تاريخ النظام السياسي قبل الثورة. حاصر نوابٌ الوزيرين بأسئلتهم المتفاوتة في الدقة والأهمية. وفي المقابل، حاولا أن يدافعا عن نفسيهما بكل قوة. قالت وزيرة السياحة إنها لم تلتق أي وفد إسرائيلي، ونفى الوزير المعتمد لدى وزير الداخلية أي تعامل مع وثائق أو جوازات سفر إسرائيلية. وأن ما تم إجراءٌ قديم كان معمولاً به منذ سنوات طويلة، سواء في عهد النظام السابق ووصولاً إلى حكومة الترويكا التي أدارتها حركة النهضة، حيث كان يسمح للإسرائيليين بدخول تونس فترات محدودة، سواء لحج معبد الغريبة اليهودي، أو بزيارات محدودة في الزمن لا تتجاوز ساعات، ضمن وفود ضخمة من الأجانب، وحسب مقتضيات العقود التي تم التعامل بها مع الوكالات السياحية الدولية. ودافع الوزيران عن فلسطين وإيمانهما بأهمية الالتزام بمبدأ مقاطعة إسرائيل، ورفضا بشدة اتهامهما بالتطبيع معها.
الديمقراطية عملية صعبة، ومكلفة في الآن نفسه، بسبب الأزمات التي تولدها باستمرار، لكنها تبقى ضرورية، باعتبارها أقل الأنظمة السياسية سوءاً. وعمّقت محاسبة الوزيرين الأزمة بين أعضاء المجلس التأسيسي، حيث بادر بعضهم إلى المطالبة بحله وإلغائه، كونه تجاوز مهماته، خصوصاً بعد الانتهاء من كتابة الدستور والتصويت له. واتهم هؤلاء زملاءهم بتهديد المصالح العليا للبلاد، والتورط في محاولة إرباك الحكومة، وربما السعي إلى إسقاطها بعد ارتفاع أصواتٍ، دعت إلى سحب الثقة من الوزيرين، ولو تم ذلك لسقطت الحكومة، وعادت تونس إلى قلب العاصفة التي سبق وأن خرجت منها بصعوبة. نعم، كانت المحاسبة مجازفة خطرة، لكن، مع ذلك شكلت خطوة أخرى نحو تغيير طبيعة العلاقة التي كانت تحكم لأكثر من نصف قرن بين سلطة تنفيذية متألهة، وبرلمان تابع كسير الجناح.   
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس