عن تهويد التعليم في القدس

عن تهويد التعليم في القدس

22 يناير 2019
+ الخط -
تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تنفيذ مخططات عديدة في زمن واحد، للتسريع في تهويد القدس، إذ تستمر بمحاصرة المدينة بالجدار العازل والنشاط الاستيطاني المكثف، فيما تحاول مؤسسات إسرائيلية، وبدعم من حكومة نتنياهو، تحقيق سيطرة مطلقة على قطاع التعليم العربي في مدينة القدس، وذلك بعد أن تمّ التحكم بنحو 66% منه، حيث تم فرض المناهج التعليمية على المدارس الابتدائية العربية هناك منذ 1968. وتبعاً لذلك، تم استبدال كلمة فلسطين بكلمة إسرائيل، والقدس بكلمة أورشليم، وتقوم وزارة المعارف الإسرائيلية بتزوير التاريخ والجغرافيا بوضع مناهج تعليمية للطلاب العرب في القدس، حيث تشير حلقاتٌ دراسية فرضتها إسرائيل في القدس إلى أن الإسلام هو مجرّد تربية روحية، وتاريخ الإسلام هو تاريخ فتن وكوارث، وهذا بحد ذاته يعتبر تزييفا لحقائق التاريخ. 
جديد خطط تهويد التعليم في القدس ما كشفت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية يوم 19 يناير/ كانون الثاني الجاري، أنه سيصار بدءا من العام المقبل إلى تنفيذ خطة رئيس بلدية الاحتلال السابق في القدس، نير بركات، بإغلاق مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) في القدس، واستبدالها بمدارس تابعة لبلدية القدس الصهيونية، حيث تدير "أونروا" مخيم شعفاط، شمال القدس، وهو المخيم الوحيد في المدينة، ويزيد عدد سكانه على 20 ألفاً. وللوكالة خمس مدارس في القدس؛ في شعفاط وصور باهر وسلوان وواد الجوز، 
إضافة إلى مركز طبي رئيسي في المدينة، ويصل عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى "أونروا" في القدس إلى مائة ألف.
يواجه المقدسيون تحدياً هو الأخطر منذ عام 1967، فإضافة إلى قرار إغلاق مدارس "أونروا " في القدس، صرّح أكثر من مسؤول إسرائيلي بأن حصول المدارس العربية على مساعدات مالية، وهي بحاجةٍ ماسّة إليها، من إدارة المعارف الإسرائيلية، رهن بالتزامها تطبيق المناهج العبرية. والثابت أن حكومة نتنياهو تنفذ مخططاتٍ عديدةً في زمن واحد، للتسريع في تهويد مدينة القدس. والبرامج التي تدرّس للأقلية العربية داخل الخط الأخضر هي نفسها التي باتت تدرس في المدارس العربية في القدس، وتفرض على الطلاب مفاهيم ومصطلحات تتلاءم مع ترسيخ فكرة يهودية إسرائيل، إضافة إلى احتمال تهويد مئات الأسماء العربية المتداولة في المدينة التي تشهد نشاطاً استيطانياً محموماً، فضلاً عن اقتحامات المستوطنين التي لم تتوقف لباحات المسجد الأقصى وبحراسة الجيش والشرطة الإسرائيليين.
وظهر جلياً أن إسرائيل تحاول التضييق على الطلبة العرب في القدس، لإجبارهم على تركها للاستئثار بخيارات التعليم، الأمر الذي يعرّضهم للتهجير من مدينتهم تبعاً للقوانين الإسرائيلية. ومن الضروري إظهار حجم معاناة الطلبة المقدسيين، بسبب السياسات الإسرائيلية المبرمجة ضد قطاع التعليم خلال احتلال مديد، فثمة اكتظاظ شديد في الصفوف المدرسية، والدوام في غالبية المدارس على فترتين، وهناك نقص حاد في المختبرات في المدارس العربية، ناهيك عن ضعف التجهيزات الرياضية، والنقص في أعداد المعلمين. وتمنع السلطات الإسرائيلية، منذ سنوات، تحديث وبناء غرف إضافية أو مدارس للطلبة العرب، ما يحول دون استيعاب الطلبة الجدد عبر النمو الطبيعي للسكان الذي يزيد عن 3% سنوياً.
والملاحظ أن مدارس العرب المقدسيين غير مؤهلة للتدريس الجيد، بسبب قدمها وعدم القيام بعملية تحديث ضرورية. ومن الأهمية الإشارة إلى أن وزارة المعارف الإسرائيلية وبلدية القدس منعتا منذ سنوات التعليم المجاني للطلبة العرب، الأمر الذي يحرم سنوياً مئات الطلاب المقدسيين من فرص التعليم. وقد تكون تداعيات إغلاق مدارس "أونروا" خطيرة جداً على المقدسيين، خصوصا في ظل عدم وجود مخطط فلسطيني وعربي لدعم المقدسيين وتثبيتهم. وفي ظل الحصار الاقتصادي الإسرائيلي على القدس، باتت الخيارات المالية موصدة أمام 
الطالب والأسرة العربية هناك، للتسجيل في مدارس خاصة. وتبعاً للسياسات الإسرائيلية المطبقة بحق قطاع التعليم، من فرض للمناهج الإسرائيلية ومنع للتعليم المجاني، ستحصل حالة تسرّب كبيرة بين الطلبة العرب في القدس.
وتفيد دراسات بأن نسبة تسرب الطلبة العرب في القدس قبل الوصول إلى المرحلة الثانوية نحو 50% في العقد الأخير. وسنشهد أيضاً تفاقم هجرة قسرية لأسر وطلاب فلسطينيين من القدس إلى مدن وقرى الضفة الغربية، للبحث عن فرص تعليم مجانية، في حال أغلقت إسرائيل مدارس"أونروا" العام الدراسي المقبل، ما يؤدي، في نهاية الأمر، إلى منعهم من العودة إلى مناطق سكنهم في محافظة القدس، بحجة قوانين إسرائيلية جائرة، أقلها حجة الإقامة خارج القدس أكثر من عام، وبالتالي الانقضاض على منازلهم ومحالهم التجارية وعقاراتهم، تحت مسمياتٍ مختلفةٍ، لتصبح بعد ذلك مُلكاً لما تُسمى هيئة أرض وأملاك إسرائيل.
ولهذا، ثمّة أغراضٌ إسرائيليةٌ في تهويد التعليم في القدس، في مقدمتها تجهيل العرب المقدسيين، وجعلهم أقليةً لا تتجاوز نسبتهم 12% من إجمالي سكان المدينة، بشقيها الغربي المحتل عام 48 والشرقي المحتل عام 67، وهذا هو الهدف الأسمى لحكومة نتنياهو على صعيد الديموغرافيا.