عن العاشقات في قريتي

عن العاشقات في قريتي

14 فبراير 2015
أحببن رغم كل شيء (Getty)
+ الخط -
يصعد إمام القرية على منبره يوم الجمعة الذي يسبق عيد العشّاق كل عام. يخطب في المصلّين، ويقول إنّ الاحتفال بعيد العشاق حرامٌ حرامٌ حرام. الإمام نفسه خطب في المصلين قبل عشرين عاماً، وقال إنّ مشاهدة المسلسلات المكسيكية حرام. ومنع من قبل أيضاً بيع "البيرة" في القرية.

خرج المصلّون، ونسوا الخطبة. لم تعنِ لهم لا من قريب ولا من بعيد كالعادة. فأغلب المصلّين ليسوا عشاقاً أصلاً، ولا يشاهدون المسلسلات المكسيكية، ولا يشربون البيرة طبعاً. أمّا أهالي القرية، فواظبوا على الاحتفال بعيد العشّاق، ومشاهدة المسلسلات المكسيكية، وشراء البيرة من القرية المجاورة.

احتفلت قريباتي وصديقاتي جميعهنّ بعيد العشّاق، ولكنني لا أذكر أنّ إحداهنّ قضت العيد مع حبيبها. يبدأن بجمع المال قبل شهرين من أجل شراء الهدية. نتحدث هنا عن فتيات تراوح أعمارهن بين الخامسة عشرة والثامنة عشرة تحديداً. يحصلن على مصروفهن من أهلهن، وقلما يتعدّى المصروف اليومي الألف ليرة. الفتيات "الزنغيلات"، أي ميسورات الحال، ينفردن بمصروف الألف ليرة هذا. أمّا أنا مثلاً فكنت أتقاسم الألف ليرة مع أخي الأصغر.

يحرمن أنفسهن من "منقوشة زعتر" وكيس "تشيبس" على الفرصة، كي يؤمنّ ثمن الهدية. يدرن على محلات الهدايا الثلاثة في الضيعة حينها. تحتوي المحلات على الهدايا نفسها كل عام، وبالأسعار نفسها أيضاً. دباديب حمراء بأحجام مختلفة، و"حراتيق" كثيرة لا فائدة منها سوى أنّ لونها أحمر، وتحتوي على قلب أحمر في مكان ما.

في النهاية، سيخترن الهدية نفسها كالعادة. تتنوّع الهدية بين ساعة يد، قنينة عطر، دب أحمر طبعاً، وبطاقة تفيض بالمشاعر والأحاسيس المستوحاة من قصائد نزار قباني، أو أغاني كاظم الساهر لأكون أكثر دقة. لا تُلَفّ الهدية بالورق الأحمر قبل أن "تحمّم" الفتاة الدبدوب الأحمر بعطرها الذي تتشاركه مع والدتها معظم الأحيان.

الهدية جاهزة، ولم يتبقَ إلّا تسليمها لصاحب العلاقة. طبعاً، لن تسلّم الفتاة الهدية بنفسها. إذ إنّ فضيحتها، كما يُقال بالمصري، "ح تبقى بجلاجل"، لو رآها أخاها متلبسة بالكيس الأحمر والدبدوب. تستعين بصديقة أو صديق مشترك عادة. تحمّله/ها الهدية، وترسلها إلى الحبيب. تستلم هديتها من الحبيب بالطريقة نفسها. يرجح أنّها ستخفي الهدية إلى ما بعد شهر شباط، قبل أن تظهرها في المنزل على أنّها عربون صداقة ومحبة من إحدى الصديقات.

ينتهي العيد عند هذا الحد، ولكنه يؤمّن مخزون حب لعام كامل. تغيّر صديقاتي وقريباتي أحباءهن كثيراً، ولكن يُحسب لهن أنّهن يحببن بالشغف والتحدّي نفسه كل مرة. عيد العشاق في قريتي لا يتغيّر، مثله مثل معظم الأشياء. وسواء أحبت صديقاتي وقريباتي بالسر أو بالعلن، سيحسب لهن دائماً أنهنّ أحببن. أحببن رغم كل شيء، ورغماً عن كل شيء.

دلالات

المساهمون