عن الحرب الإيرانية الإخوانية
ولفهم طبيعة العلاقة بين الطرفين، لا بد من القول إنها مرت بثلاث مراحل أساسية، الأولى، في مرحلة مبكرة، حيث التقى المرشد المؤسس للجماعة، حسن البنا، قيادات إيرانية، ودعا إلى التقريب بين المذهبين، السني والشيعي الجعفري. والثانية، بعد الثورة الإيرانية التي شهدت ترحيبا من جماعة الاخوان المسلمين بها، والثالثة، عقب زيارة الرئيس محمد مرسي طهران للمشاركة في قمة عدم الانحياز، والتي شهدت بدء ظهور الخلاف بين الحليفين السابقين علناً، ونجح سلفيو مصر في صب الزيت على ناره، بعد مزايدتهم على حراسة الإخوان العقيدة، مما أدى إلى مزيد من التعقيد في العلاقة، فاقمه الدعم الإخواني للثورة السورية، ورفض دعم التنظيمات الشيعية البحرينية في تحركاتها، وإصرار مرسي على الوقوف إلى جانب دول الخليج، مما أدى إلى طلاق بائن بين الطرفين، الإيراني والإخواني، في 30 يونيو/حزيران.
وتطرح الحرب السابقة أسئلة بالغة الأهمية، عما إذا كان لدى جماعة الإخوان المسلمين وعي بهذه الحرب؟ وهل لدى الجماعة مراكز بحثية قادرة على رصد هذه المتغيرات؟ وهل استعدت الجماعة الأكبر والأكثر تأثيراً في العالم العربي لها سياسياً؟ وهل لدى الجماعة قدرة على صياغة خطاب إعلامي في مواجهة إيران التي تساهم بسياسييها وإعلامييها في ترسيخ وصف التكفير والتطرف بالجماعة الموصوفة بالاعتدال، على الأقل في المراكز البحثية الغربية؟
تبدو الإجابة واضحة، فالجماعة التي يتباهى عديدون من منتسبيها بالتنظيم الدولي في 77 دولة ليس لديها خطاب واضح، ولا رؤية استراتيجية، ولا تكتيكية، في مواجهة الحرب الإعلامية والسياسية والعسكرية الإيرانية ضدها، ما يعكس فشلاً جديداً على مستوى الجماعة، إعلاميا وسياسياً، إذ تكرر أخطاءها المحلية في مصر، بعد أن وقفت الجماعة إلى جوار دول الخليج التي تحاربها، الآن، في مواجهة إيران (الإمارات في مسألة الجزر والبحرين في مواجهة المعارضة الشيعية والسعودية بتأكيد التماهي معها ضد إيران)، كلهم باعوها وتحالفوا ضدها ويرددون مصطلحات إيران، ما يعكس ضعف العقل الإخواني وبساطته، وغياب القراءة الواقعية لسياسة الأحلاف والمحاور في المنطقة.
مختصر القول إن لدى جماعة الإخوان عقلاً جمعياً، لا فردياً، لا يوجد فيها مفكرون وقادة لديهم القدرة على إنتاج سيناريوهات للتعامل مع هذه القضية وغيرها، ليس من أجل الجماعة فحسب، ولكن، على الأقل، من أجل الربيع العربي الذي منحها فرصة الوصول إلى أنظمة الحكم في دول عربية، ما وضع عليها مسؤولية تاريخية، في إفشال مخططات الثورة المضادة التي يعد الإخوان أول ضحاياها، بمجرد تمكنها من رقابهم.
في النهاية، لن يجد أداء الجماعة غير القادر على إنتاج خطاب إعلامي وسياسي وفكري في مواجهة إيران والرجعيات العربية المتحالفة معها، بشكل مباشر أو غير مباشر، وما رشح عنها من ثورات مضادة، حلاً إلا بمراجعة حقيقية لأداء الجماعة السياسي والإعلامي، في مختلف مناطق انتشارها، والتي تبدو الأخطاء في كل منها نسخة طبق الأصل عن غيرها، ولكن بنكهة محلية.