عملة معدن تجر زمناً من "القباقيب"

عملة معدن تجر زمناً من "القباقيب"

05 ديسمبر 2014
مدينة اسطنبول (العربي الجديد)
+ الخط -

حين طويت صفحتي في سورية، وقادتني سفني إلى بلاد الأناضول، لم يكن في حسباني أن ذاكرتي ستنشط وتلتهب بمجرد أن ألامس العملة النقدية "العثمانية". سرقتني الدهشة وأنا افرد العملة المعدنية من فئة "القرش، الربع، النص، الليرة" أي مقارنة تلك التي ستعيدني إلى نحو 40 عاماً وأزود!

حينما كان والدي يكرم علي دون إخوتي الصبية بالعملة النقدية من فئة نص فرنك أو عشرة قروش(فرنكين) او ربع ليرة "وأزهو بها أمام أقراني، وكل واحدة منهن تسايرني وتتحايل عليّ كي نذهب إلى دكان أبو أديب، القريب من حارتنا في محافظة السويداء، وكنا نتسابق اليه ركضاً، ويبدأ هو بالترحيب بنا وفتح أكياس الخام أمامنا لاختيار كل ما لذ وطاب من "أكلات الأولاد" وليس آخرها تلك التي تشبه القبقاب و كنا نسميها "قبقاب غوار الطوشة" نسبة لشخصية دريد لحام الشهيرة في مسلسل "حمّام الهنا" وهي عبارة عن مزيج من نشاء وسكر مصبوغة بألوان عدة، الزهري والأبيض والأصفر. وكذلك "الشطي مطي" تلك التي تذوب كالسكر في الفم ولا تختلف مكوناتها أيضاً عن الأولى سوى أنها أكثر لزوجة.

كثيرة هي الحالات التي كنت أضع فيها الربع ليرة في قبضتي وأدسّها تحت المخدة، وفي اليوم التالي استيقظ ويدي متيبسة ومخدرة من شدة الحرص عليها ولا أقوى على فتحها، وكم كان المشهد جميلاً حين كان النصف قرش يأخذ شكله على كفي وارقب تلاشيه بعد اقل من عشر دقائق. لطالما أحببت الفرنك، والربع ليرة الصغيرة، الفضية اللون، تلك التي تشبه إلى حد بعيد العملة التركية الآن مع فارق في النقوش التي عليها.

وقفت كالصنم أمام الصرّاف بعد أن اشتريت كل احتياجاتي، انتظر ان تعطيني المحاسبة الورقة كي أقرأ الأرقام وادفع ما يتوجب علي. إلا أن موظفة "الكاشير/ المحاسبة" حسمت الأمر باللغة التركية إن الدفع أولاً ومن ثم بإمكاني الحصول على الفاتورة "وأنا حسمت الفهم بلغة الإشارة، بعد أن قلت لها الجملة الوحيدة التي حفظتها بعد أسبوع من قدومي: باردون توركش يوك، وكأني أتباهى أمامها بعدم تمكني من لغتها الأم، وفرّغت وصففت لها كل العملات الورقية والمعدنية الموجودة في محفظتي الصغيرة وأشرت إليها بان تختار ما يحلو لها. وكانت تلك المحاسبة من الفطنة ما جعلتها تفهم بلغة الإشارة وتنتقي ما تريد من العملة المعدنية بأحجامها الصغيرة والكبيرة.

انتهى تسوقي على خير إذاً. وها انا أمشي متأبطة احتياجاتي في يد و"الربع ليرة" في اليد الأخرى، أتأملها وبدل أن ابتسم لذكرى كانت جميلة، شعرت بثقل عملتي وسؤال معلق في ذهني، ترى ماذا يمكنني ان اشتري بالربع او النصف ليرة التركية؟

دلالات

المساهمون