عمالة الأطفال في تونس إلى تفاقُم

07 يونيو 2014
يبيع هذا الطفل الأزهار يومياً في شوارع العاصمة(العربي الجديد)
+ الخط -

كانت فلوريدا (15 عاماً) تجوب شوارع العاصمة تونس لبيع العلكة. تتنقل بين محطات المترو والمقاهي والحانات. لا يعرف أحد اسمها الحقيقي، هي التي اختارت التنكر خلف اسم العلكة التي تبيعها. اضطرت هذه السمراء التي تعيش في مدينة الكرم إلى ترك مقاعد الدراسة باكراً قبل حوالي سبع سنوات، بسبب الفقر. تقول لـ"العربي الجديد" إن والدها توفي منذ سنتين، فيما تعاني والدتها اضطرابات عقلية دفعتها إلى دخول مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية للعلاج. هكذا وجدت  نفسها مجبرة على العمل. كأنها بذلك تنازلت عن طفولتها ومراهقتها.

قد تكون فلوريدا مجرّد رقم. فمن بين 3 ملايين و400 طفل في تونس، يشكلون حوالي 24 في المئة من مجموع السكان، يجبر حوالي 3 في المئة على العمل وفق تقرير منظمة "اليونيسف"، الذي أُعدّ بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء ووزارة التنمية.

هكذا تعجّ شوارع العاصمة ومقاهيها بهؤلاء الـ 3 في المئة الذين استوطنوا الشوارع حتى لا يقتلهم الجوع. اختار بعضهم بيع الفل والياسمين. يتنقلون بقاماتهم النحيفة وثيابهم الرثّة بين طاولات الزبائن، ويخاطبونهم بعبارات الاستعطاف والتوسل. يتوزع آخرون عند إشارات المرور، ويركضون نحو سائقي السيارات عارضين أزهارهم، لتضيع أصواتهم وسط ضجيج المدينة. يسأل هذا الطفل أحد المارة: "أتريد وردة؟"، يعده الزبون أن يشتري منه في حال أخبره قصته. يوافق. يقول إنه يأتي إلى العاصمة يومياً محملاً بالفل والياسمين. تآلف مع عمله هذا "الذي لا يتطلب جهداً". يضيف أنه "في كثير من الأحيان، يجوب الشوارع لساعات طويلة من دون أن يبيع شيئاً. "حينها، أشعر باليأس والخوف من أبي".

غالبية الأطفال الذين التقتهم "العربي الجديد" ينحدرون من الأحياء الشعبية، كالملاسين، وحي التضامن، والمروج، وغيرها من المدن المجاورة للعاصمة. وتجدر الإشارة إلى أن تونس أصدرت "مجلة حماية الطفل بمقتضى القانون عدد 92 لعام 1995، والتي تكفل حقوق الطفل". كذلك، تنص "مجلة الشغل" على ضرورة تمتع الطفل بالراحة، ويسمح الفصل 53 منها للأطفال في عمر الـ 16 سنة بالعمل في القطاعات غير الفلاحية. ويسمح للمؤسسة العائلية بتشغيل الطفل دون السن القانونية شرط ألا يؤثر ذلك على صحته أو تعليمه. ويمنع القانون تشغيل الأطفال دون 18 سنة في أعمال من شأنها أن تعرّض صحتهم أو سلامتهم أو أخلاقهم للخطر. 

مخاطر واعتداءات

كثيرةٌ هي المخاطر التي قد تواجه الأطفال بسبب عملهم في ظروف غير آمنة، عدا الضغوط النفسية والاستغلال والقسوة والعنف الذي قد يتعرضون له. تضطر فلوريدا إلى العمل حتى ساعات متأخرة من الليل في الحانات، ما يعرضها للتحرش الجنسي باستمرار. تقول إنها "مجبرة على العمل في ظروف مماثلة لتأمين المال". أما أحمد، فلا يعود إلى المنزل قبل بيع كل ما في حوزته خوفاً من "توبيخ" والده.

وفي السياق، رصدت "المندوبية العامّة لحماية الطفولة" في تونس أكثر من 5700 بلاغ بالاعتداء على الأطفال خلال العام 2013. وقد بلغت نسبة استغلال الأطفال في الجريمة المنظمة 0.3 في المئة، فيما بلغ الاستغلال الاقتصادي بحقهم 0.8 في المئة. ولفتت إلى أن "هذه الأرقام لا تعكس الواقع الحقيقي لوضع الأطفال في تونس. فهناك بلاغات أخرى وجهت إلى وزارة التربية وجهاز الأمن، إضافة إلى حالات أخرى لم يتم الإبلاغ عنها، نظراً لغياب الوعي".

من جهتها، توضح رئيسة مركز الدراسات القانونية والقضائية سامية دولة أن "الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 12 و13 سنة، ويرتكبن جنحاً أو جرائم قتل رداً على تعرضهن لمعاملة سيئة، غالباً ما تصدر بحقهن أحكام بالسجن". وتلفت إلى "ضرورة مراجعة التشريع التونسي، وتفعيل بعض القوانين التي لم تأخذ طريقها إلى التطبيق بسبب عدم إصدار نصوص تطبيقية"، داعية إلى "تعزيز جهود حماية حقوق الأطفال من خلال دعم الموارد البشرية والإمكانات المادية المخصصة لذلك".

لا إحصائيات رسمية

تقول المندوبة العامة للطفولة في وزارة المرأة وشؤون الأسرة عايدة غربال، إن "تونس تعرضت إلى انتقادات عدة بسبب التقصير في حماية الطفولة، فضلاً عن توصيات متكررة من قبل اللجنة الأممية لحقوق الطفل". وتشير إلى أنه "لا إحصائيات رسمية لعدد الأطفال المشردين في تونس".

وتتابع غربال أن "فرق العمل المشتركة الأربعة لوزارات الداخلية، والشؤون الاجتماعية، وشؤون المرأة والأسرة، نجحت خلال الفترة الأخيرة في انتشال 15 طفلا من الشارع، غالبيتهم ينحدرون من عائلات تعيش حالة تفكك أسري، أو يعيشون ضمن ظروف اجتماعية صعبة كالفقر". وتلفت إلى انه "يتم القيام في فترات مختلفة بحملات عدة لانتشال هؤلاء الأطفال من الشوارع".

بعد الثورة

يقول عالم الاجتماع طارق بلحاج إن "أطفال الشوارع ظاهرة متفشية في مجتمعنا منذ سنوات". ويشير إلى أن "عدداً من الأطفال يعملون لصالح أسرهم بسبب الفقر، فيما يعمل البعض ضمن شبكات الجريمة المنظمة بعد خطفهم. غير أن القاسم المشترك بينهم جميعاً هو عدم التحاقهم بالمدرسة أو الانقطاع المبكر عنها".

ويتابع بلحاج أنه "رغم التشريعات التقدمية التي تحمي الأطفال في تونس، فإن الدولة تتجاهل ظاهرة أطفال الشوارع". فيما لفت رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الطفل معز الشريف إلى أن "وزارة المرأة والأسرة والطفولة لم تخصص للطفل سوى 0.3 في المئة من ميزانية الدولة".