ظاهرة "الجثث المجهولة" تعود إلى بغداد: "فرق الموت" متهمة

03 فبراير 2017
لم تتمكن الشرطة من معالجة الوضع (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -

لليوم الثالث على التوالي تُسجّل دوائر الشرطة العراقية في العاصمة بغداد ومراكزها، ارتفاعاً ملحوظاً بأعداد الجثث التي يتم العثور عليها في مكبات النفايات والساحات العامة داخل أحياء سكنية ومناطق تخضع لنفوذ وسلطات مليشيات "الحشد الشعبي". تطلق الشرطة على تلك الجثث مصطلح "جثث مجهولة الهوية" يتم انتشالها ونقلها إلى المستشفيات من دون أي تحقيقات في تلك الجرائم. وقد بلغ مجموع الجثث التي عثر عليها خلال الأيام الثلاثة الماضية في بغداد وضواحيها 23 جثة، تعود غالبيتها لشبان تتراوح أعمارهم بين 20 و30 سنة تم اختطافهم وتعذيبهم بطرق بشعة، كان آخرهم إمام وخطيب جامع المشتل شرقي بغداد، الشيخ أحمد الزيدي، بعد اختطافه من قبل قوة مسلحة من منزله المجاور للمسجد. وقد عُثر على جثته وعليها آثار تعذيب ورصاصات في الرأس والصدر في ساحة مخصصة لتجميع النفايات.

في هذا السياق، أفاد مسؤولون في الشرطة، لـ"العربي الجديد"، بأن "غالبية الضحايا يُقتلون بدافع طائفي على يد مليشيات وعصابات طائفية، تُعرف باسم فرق الموت وتعمل لصالح جهات عدة، بينها سياسية". إلا أن هناك ضحايا آخرين من طوائف مختلفة قُتلوا أيضاً لأسباب تصفها الشرطة بـ"الشخصية أو الانتقامية". وفي بعض الأحيان عصابات خطف لغرض الابتزاز، فيقضي الضحية حتفه خلال احتجازه لديها. ووفقاً لضابط في شرطة بغداد فإنه "حين تكون الجثث المجمعة في مكان واحد، تتراوح أعدادها بين 8 إلى 10 جثث، فهي تكون موجودة لأسباب طائفية".

تبرز ظاهرة "الجثث المجهولة" في مناطق تعتبر معاقل لمليشيات "الحشد الشعبي" أو أحياء حديثة التكوين، كضواحي وأطراف مدينة الصدر والشعلة والكاظمية والحسينية والبياع والزعفرانية وغيرها. إلا أن هناك مناطق أخرى باتت تظهر بها تلك الجثث بين الحين والآخر وسط العاصمة نفسها، كما حدث أمس الخميس، حين عثرت الشرطة على ثلاث جثث في منطقة الفحّامة وسط بغداد مرمية في ساحة عامة قرب حاوية للنفايات.

بدوره، أقرّ العقيد في شرطة بغداد، طالب الموسوي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بـ"عجز الشرطة عن وقف الظاهرة التي باتت تثير الرعب في نفوس الأهالي وتهدد بما هو أسوأ وتعيد إلى الأذهان عامي 2006 و2007". وأضاف أن "انفلات السلاح وتعدد القيادات وانتشار المليشيات يجعل من مجرد المحاولة لوقف الظاهرة عبثية"، لافتاً إلى أنه "بصراحة ستفعل المليشيات المنفلتة ما عجز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عن فعله في بغداد ولا أرى خطف شاب بعمر 20 عاماً وتعذيبه ثم قتله بطولة، وهذا فعل لا ينم إلا عن قذارة من فعله".

وعلى الرغم من الانتشار الأمني الواسع في بغداد، الذي بلغ ذروته في شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، بواقع 90 ألف عنصر أمن من الجيش والشرطة والأمن الوطني. إلا أن الظاهرة ما زالت متواصلة، بشكل دفع السكان في العاصمة إلى رسم أشبه ما يكون بخرائط متداولة يتم تحديثها يومياً تتناول أبرز المناطق التي يخشى أن يقع الداخل فيها ضحية الاختفاء، ومن ثم التحول لجثة هامدة. وتعدّى الأمر إلى سائقي سيارات الأجرة الذين باتوا لا يوافقون على الذهاب لمناطق معيّنة، خوفاً من مصير مماثل، وكذلك يفعل عمال التوصيل وموظفو الخدمات.


وتبرأّت مليشيا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، من تلك العمليات إلا أن تصريحات صدرت أخيراً لعدد من أعضاء التيار، اتهموا من وصفوها بـ"المليشيات المنفلتة بالوقوف وراء ذلك". وحول ذلك، أكد عضو التيار الصدري، علي عبد الحسين اللامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، وجود ما وصفه "مليشيات تكفيرية تعتبر النسخة المقابلة لتنظيم داعش وتحظى بظهر إيراني قوي". وأردف أن "تلك المليشيات تعمل بغطاء عقائدي ولا تستهدف طائفة بعينها فقط، بل استهدفت شبانا من نفس طائفتها، بتهمة عدم الإيمان أو الاقتناع بولاية الفقيه، أو ما يصفونه الاستهزاء بالمعتقد. وكان آخرهم الناشط سلام الكعبي الذي قضى شرقي بغداد على يد تلك المليشيات".

أما أحد مخاتير منطقة الحسينية شمال شرقي بغداد، مالك الجحالي، فكشف لـ"العربي الجديد"، بأن "هناك عصابات ومليشيات تكفيرية تماماً مثل داعش بالطرف الآخر يقتلون طائفياً. وهناك أيضاً عصابات وقتلة مأجورون وهذا شيء طبيعي في ظل اللادولة واللاقانون". ونوّه إلى أن "الأسبوع الماضي عثر على جثة صائغ ذهب مقتولاً بعد تعذيبه، وتبين أنه اختُطف وأُخذ منه فدية".

من جهتها، طالبت منظمة رصد لحقوق الإنسان العراقية، إحدى المنظمات غير الحكومية بوضع حد لظاهرة الجثث المجهولة. وعن ذلك، كشف رئيس المنظمة فاضل العبيدي، لـ"العربي الجديد"، أن "خمسا إلى عشر جثث لأبرياء يقتلون في بغداد وضواحيها كمعدل يومي ولا يعرف من هو قاتلهم". وأضاف "البعض يقول إنها مليشيات كون الجثث يعثر عليها في مناطق تعدّ معاقل مليشيات الحشد، وآخرون يقولون إنها عصابات جريمة منظمة لكن بالنهاية هو فشل حكومي". أما قصة الحاج عدي صبحي فباتت تروى كل يوم إثر اختفاء ابنه على يد مليشيا مسلحة، بعد خروجه للعمل سائق تاكسي، ولحق به شقيقه الثاني.

في هذا الصدد، قال صبحي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، "تم اختطاف ولدي على طريق شارع فلسطين من قبل مليشيا كانت تقيم حاجز تفتيش، وأخذوا سيارته معه واتصلوا بنا طالبين 10 آلاف دولار أو قتل ابني. جمعنا المبلغ بسرعة من الأقرباء، وذهب أخوه لدفع المال للخاطفين، الذين انتظروه عند مركز شرطة الشعب شرقي بغداد، لكنه اختطف أيضاً وأخذوا المبلغ وعثرنا على الاثنين في مكب نفايات وقد قتلوهما بعد تعذيبهما". وبيّن أن "المليشيا التي خطفته تركت عبارات طائفية قرب جثتيهما".

وتابع قائلاً "تركت الموضوع، حتى الشرطة باتوا يطردوني من الباب، كلما أذهب إليهم للسؤال عن نتائج التحقيق. وأخيراً شتمني شرطي عند الباب وقال: دوختنا بولديك الاثنين، ترى يومية نلقى مثلهم عشرات.. امش من هنا وإلا اعتقلتك".

وحول ذلك، ذكر عضو اللجنة الأمنية في بغداد، علي جاسم سرهيد، في تصريحات صحافية، أن "المعلومات الاستخبارية تؤكد تزايد حالات القتل والعثور على الجثث مجهولة الهوية في بغداد"، كاشفاً أن "أغلب الجثث تعود لفئة الشباب، وأنه من المرجح أن تكون عصابات منظمة تقف وراءها".


إلا أن عضواً في البرلمان رفض الكشف عن اسمه، قال في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "98 في المائة من الجثث تعود لطائفة واحدة، تُقتل على يد مليشيات مسلحة معروفة، والحكومة تعلم بذلك، بالتالي لا تريد التصريح أو الاعتراف بالمشكلة". وتابع قائلاً إن "الحكومة اكتفت بشراء مزيد من ثلاجات حفظ الموتى لمستشفيات اليرموك والطب العدلي ومدينة الطب".

من جهتها، أفادت دائرة الطب العدلي بأنها "باتت تتسلّم بشكل يومي جثثاً مجهولة الهوية، قضي على أصحابها بطرق وأساليب مختلفة، أغلبها رمياً بالرصاص فيما تعرضت جثث أخرى للحرق". وكشف مصدر طبي من داخل الطب العدلي في بغداد أن “ظاهرة الجثث مجهولة الهوية أصبحت مخيفة أكثر من أي وقت مضى، إذ تصل أعداد كبيرة من الجثث يومياً إلى دائرة الطب العدلي". ولفت إلى أن "ثلاجات الموتى مُلئت بالجثث وأغلبها مضى على وجودها في الثلاجة أيام عدة، من دون التعرف على هوية أصحابها. وهو ما يدفعنا لمخاطبة البلدية بهدف دفنها في مقابر عادة ما تكون مهمة اختيارها من قبل البلدية نفسها".

وذكر أن "الجثث التي تحمل علامات فارقة كالوشم أو الوحمة أو تلك التي لم يتشوه الوجه فيها تجد طريقها إلى عائلتها بسهولة، لكن هناك الجثث المحروقة أو التي أخفيت ملامح الوجه فيها تنتقل بعد 10 أيام بحسب إجراءاتها الحالية الى البلدية ليتم دفنها". وكشف أنه "أخيراً طلبت كليات الطب بعضها للتشريح وحدثت مشاكل بسبب ذلك لكونه إجراء غير قانوني، لذا أحجمنا عن منحهم أي جثث".

المساهمون