رفيق الشلّي: المسلّحون يتطوّرون في تونس... ونحن أيضاً

رفيق الشلّي: المسلّحون يتطوّرون في تونس... ونحن أيضاً

21 مايو 2015
الشلي: داعش كتنظيم غير موجود في تونس (العربي الجديد)
+ الخط -

أكد كاتب الدولة المكلف بالشؤون الأمنية رفيق الشلي أن وسائل عمل المسلّحين، وملف استقطاب الشباب التونسي إلى التطرف شهد تطوراً ملحوظاً

وأضاف الشلي في حواره مع العربي الجديد أن العمل الاستخباراتي قد ضعف بعد الثورة، مشيرا إلى السعي لإعادة بنائه وتفعيله من جديد...فإلى نص الحوار


* هل هناك تواصل مع السياسة الأمنية التي رُسمت قبل الانتخابات التشريعية والرئاسية، أم أنكم لجأتم إلى وضع سياسة أمنية جديدة، فرضتها المرحلة الراهنة؟

السياسة الأمنية متواصلة ويُمكن الحديث عن تطوير للإجراءات والمخططات الأمنية، لأن الوضع في تونس في حالة تغيّر مستمر من الناحية الأمنية، ولا يُمكن استخدام المخططات العادية السابقة، لأن الطلبات الأمنية كثُرَت والتهديدات لا تزال متواصلة، وبات الوضع يُلزم اللجوء إلى خطط بديلة، كمراقبة الفضاءات الحساسة، ومواجهة التهديدات التي تطال الأشخاص، مع مزيد من تفعيل الأمن الذاتي في المؤسسات العمومية والسياحية والتي يجب تأمينها بفعالية أكثر، وكذلك حماية المواقع الأثرية والسياحية.

* هل نفهم من ذلك أنه في المقابل هناك تطوّر أيضاً في مخططات الاعتداء؟

فعلاً لقد تطورت وسائل عمل المسلّحين، وملف استقطاب الشباب التونسي إلى التطرف شهد تطوراً ملحوظاً، فسابقاً كانت المساجد والجمعيات الخيرية تؤدي دوراً كبيراً، قبل أن تُصبح هناك خلايا متعددة الجنسيات. واليوم يتم التركيز على استغلال شبكات التواصل الاجتماعي لاستقطاب الشباب.

كما تغيّرت الرؤية التنظيمية السابقة للمسلّحين، ولم يعد المفهوم مقتصراً على ضرورة لقاء ثلاثة أشخاص كحدٍّ أدنى يتفقون على القيام باعتداءات، إذ يكفي وجود شخص بمفرده حتى يكون قادراً على القيام بعملية، وهو ما نسميه بـ"الذئاب المنفردة".

اقرأ أيضاً: احتجاجات العاطلين تُشعل الجنوب التونسي

* من خلال الأرقام المصرّح بها من قبل وزارة الداخلية، نشعر بأنها قد حققت بعض الانتصارات، لكن في المقابل عندما تحدث اعتداءات يشعر التونسيون بالخيبة لغياب القدرة الاستباقية. لماذا؟

عشنا في تونس في فترة الثورة حالة من الانفلات الأمني، وخلال هذه الفترة دخل السلاح وتسرّبت عناصر متطرفة، وعندما تم إقرار "أنصار الشريعة" كتنظيم إرهابي، فرّت بعض القيادات إلى ليبيا، وبقيت عناصر تابعة لها في تونس. ولا يُمكن القول إن تلك الخلايا نائمة، لأنها فاعلة ومتواجدة. ولا نستطيع قانوناً إمساكها طالما لم ترتكب أي مخالفة، ولكن قد يكون لها صلة واتصال بالعناصر الفارّة، وهو ما لحظناه خلال تفكيكنا شبكات عدة.

كما اكتشفنا مخططات جاهزة عدة كان أصحابها ينوون القيام بها، سواء لاستهداف مؤسىسات حكومية أو عسكرية، أو من خلال خلايا تقوم بتهريب السلاح وإدخاله إلى تونس، أو تأليف شبكات لانتداب الشباب، كما تتواجد شبكات نسائية.

ولاحظنا أن العمل الاستخباراتي قد ضعف بعد الثورة، ونسعى اليوم إلى إعادة بنائه وتفعيله من جديد، وهو يتطلّب جهداً ووقتاً لنكون على بيّنة من العمليات التي يمكن أن تحدث قبل وقوعها، وهذا ما يُفسّر أيضاً النجاح في تفكيك الشبكات.

على أن الإشكالية الأكبر تبرز في تردّي الوضع الليبي، فلو لم يكن الوضع متدهوراً هناك لتمكنّا من القضاء عليهم بسهولة، وربما منذ مدة، ولكن الوضع في ليبيا دقيق، في ظلّ الحدود الشاسعة بيننا وبينها على طول 270 كيلومتراً، لجهة تبرزق، وهو مكان صحراوي يستخدمه المسلّحون.

لقد تم اتخاذ اجراءات واسعة في المنطقة، وجعلنا منها منطقة عسكرية عازلة، وتجري مراقبتها بالتنسيق بين الجيش والحرس الوطني. مع ذلك لا يبدو هذا الأمر كافياً، فالتهريب متواصل لأن المهرّبين يعرفون المسالك جيداً، ونعرف جيداً مستوى التعاون الكبير بينهم وبين المسلّحين، إذ يتم تهريب البشر حتى من قبل العناصر المتشددة، وهو ما يقلقنا لأن المتنفس الوحيد للمسلّحين حالياً هو ليبيا، وكلما عملنا على تضييق الحدود، كلما نجحنا في تضييق الخناق عليهم.

لدينا حالياً برنامج مراقبة الكترونية على كامل الحدود، نبحث له عن التمويل الضروري، فالوضع الليبي يُحفّز تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"أنصار الشريعة" لتحقيق مزيد من التوسع واكتساب القوة، فهم يتغذون من الفوضى وهذا لا يخدم التونسيين ولا المنطقة، وحتى الأوروبيين أنفسهم يمكن أن يتضرروا كثيراً.

اقرأ أيضاً: التعليم التونسي... البحث عن الإصلاح

* هل أصبح لـ"داعش" وجود حقيقي في تونس؟

"داعش" كتنظيم غير موجود، والعناصر المحصّنة بالجبال والمرتفعات التونسية، متفرّعة من تنظيم "القاعدة"، وكذلك القيادات الجزائرية التي تقود العمليات. وعندما ظهر "داعش" في الفترة الأخيرة، عمد بعض هؤلاء إلى مبايعته، بينما حافظ الآخرون على ولائهم لـ"القاعدة". هم حالياً منقسمون تنظيمياً وجغرافياً، وموزعون على مجموعات في جبال الشعانبي وآخرون في سمامة وفي السلوم وفي ورغة. على الرغم أنهم جميعهم آتون من "القاعدة".

* كم يبلغ عدد العناصر المسلحة في الجبال؟

لا يفوق العدد الـ100 أو 120 عنصراً، وينقسمون إلى مجموعات تضمّ كل واحدة 20 عنصراً، وعلى الرغم صعوبة الجبال ووعورتها، فإنهم يعرفون الأماكن جيداً وقاموا بتحصينها بالألغام. كما طوّروا دفاعاتهم. ويتطلّب تأمين الوحدات المختصة، كونه لا يُمكن مقاومتهم بالجيش العادي، وتكوين الوحدات المختصة يتطلّب وقتاً وتجهيزات لا نملكها حالياً، سواء كانت معدات ليلية أو وسائل نقل. ويلزمنا اليوم معدات ووسائل قادرة على التوغّل في أماكن تتماشى والوضع الجديد، وطائرات خاصة وقد تم ارسال طلبيات لكنها لم تصل بعد.

* صرّح وزير الداخلية لطفي بن جدو سابقاً، أنه يجب تغيير استراتيجية المواجهة في الجبال، أي مطاردة المسلّحين؟

صحيح يجب تغيير الاستراتيجية، لكن هناك صعوبات، فإن لم تكن لدينا امكانيات متطورة، من الصعب مواجهتهم أولاً لناحية توفر الوحدات المختصة، وثانياً لغياب التجهيزات المتطورة والمروحيات الحديثة التي تُسهّل العمل. وكمثال بسيط يُمكن رصد تحركات عناصر مسلّحة ليلاً ونعرفهم، ولكن ليس لدينا طائرات تُمكننا من الوصول إليهم وهنا تكمن الإشكالية.

* نسمع كثيراً عن مساعدات أوروبية ستُقدّم إلى تونس، فما مدى صحة هذه الأنباء؟

تتحدث الدول الصديقة والشقيقة عن مساعدات كثيرة ستقدم إلى تونس، ولكن الوعود موجودة والمساعدات الفعلية قليلة جداً. لذلك اعتمدنا على أنفسنا لاقتناء تجهيزات متطورة حسب امكانياتنا، والغربيون عادة يتحركون عندما يشعرون بالخطر، وهناك مخاوف لديهم من قوارب الهجرة الآتية من ليبيا، خشية تسرّب عناصر مسلّحة إليهم.

* صدرت أرقام من وزارة الداخلية حول العائدين من سورية، وليسوا جميعاً من التائبين، بل أن بعضهم جاء للقتال، فما هي خطتكم في التعامل مع ملف العائدين؟

هذا ملف مهم، ووفقاً لتقديراتنا فقد عاد 500 تونسي من بؤر التوتر. دخل بعضهم بصفة قانونية وبعضهم خلسة. واعتقد بعضهم أنهم سيذهبون للجهاد، ولكنهم صُدموا لأنه عندما وصلوا الى هناك وجدوا أنفسهم يقاتلون أطفالاً وشيوخاً. وكان يلزمهم حيلة للرجوع إلى تونس، لأن من يتم التفطّن إليه يُقتل. هناك من اتصل بالسفارة التونسية في تركيا طلباً للمساعدة على العودة، وهناك من نجد حوله بعض المعلومات الكافية لإدانته عندما يصل إلى تونس وبالتالي مقاضاته، ولكن البعض الآخر قد لا نجد أدلة تدينهم، ونكتفي بمراقبتهم، مع العلم أن هذا الأمر يُكلّف الدولة التونسية نفقات باهظة.

يجب ايجاد الحلول لمعالجة ملف العائدين، فهؤلاء لديهم أفكار متشددة ويجب أن ننزع التطرّف من عقولهم، ونقنعهم بخطأ المفاهيم التي يحملونها. وهو ما يتطلّب مساعدة رجال دين مختصين، والاستعانة بمراكز تضمّ خبراء لاعادة تأهيل هؤلاء الأشخاص، ودمجهم في المجتمع وابعاد الافكار المتطرفة عنهم، في سياق آلية مشتركة ومعالجة شاملة. شخصياً لدي أمل في مشروع قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، المعروض حالياً على مجلس نواب الشعب، لأنه يتضمّن آلية تتواجد فيها هيئة مكوّنة من مختصين في مكافحة الارهاب، ويمكنها أن تدرس وتقترح الحلول وتشرف على العائدين.

* ارتفعت وتيرة التحركات الاحتجاجية، التي قد تخرج عن إطار المطالبة بالتنمية والعمل وتتداخل فيها عناصر عدة، منها الاجتماعي والسياسي والتهريب أحياناً. فكيف تتعاملون مع الوضع؟

نتابع ما يحدث في كل الجهات، وهناك مسائل تُعالَج أمنياً وبالتهدئة، ونحن نراقب التحركات الشعبية والاجتماعية في الجنوب وقفصة والفوار. وما لحظناه هو غياب الأحزاب والمجتمع المدني، مع العلم أنهم يؤدون دوراً هاماً في التهدئة، وعليها أن تتحرك لأن غيابها سمح لبعض الأطراف بتحريك الاحتجاجات، وهو ما لا يخدم تونس، وأرى أنه يجب دفع الأحزاب للقيام بدورها.

* لماذا تمت اقالة آمر الحرس الوطني؟

لا نعرف لماذا أثار هذا الموضوع ضجة كبيرة، ولكنه موضوع عادي في إطار المناقلات الأمنية.

* ماذا عن العلاقة بالجزائر؟

هي علاقة طيبة ومهمة جداً، نتواصل بشكل كبير مع عدد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين، وهناك تواصل أيضاً بين الولاة والقوات الأمنية الحدودية والمسؤولين الكبار، ويوجد تنسيق أمني كبير وتعاون وثيق بيننا وبين الجزائر، في سياق المصالح المشتركة.

اقرأ أيضاً: البطالة في تونس..بركان على وشك الانفجار

دلالات

المساهمون