السمعة العالمية التي تحظى بها جامعات الولايات المتحدة قد تهتز اليوم، بعد الكشف عن فضيحة تتعلق بقبول الطلاب فيها، إذ تبيّن دور للمال والرشاوى في الاختبارات وإعداد الملفات، وهي قضية ما زالت قيد التحقيق
اتهمت وزارة العدل الأميركية عشرات من رجال الأعمال والقانونيين، ونجمات التلفزيون، بدفع رشاوى تصل قيمتها إلى 25 مليون دولار أميركي، وادعاء إنجازات رياضية غير حقيقية، والاحتيال في نتائج الاختبارات المؤهلة، من أجل تسهيل دخول أبنائهم وبناتهم بعض الجامعات العريقة في الولايات المتحدة.
وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي)، إنّه اكتشف الأمر بالصدفة قبل عام كامل، عندما كان يتحرى عن أحداث قضية أخرى، الأمر الذي أدى إلى التوصل إلى تفاصيل ما اعتبر أكبر عملية احتيال في تاريخ القبول بالجامعات الأميركية الشهيرة. ومن الجامعات التي وردت أسماؤها في التحقيقات، التي ما زالت تجري: "ييل" و"ستانفورد" و"تكساس" و"جورج تاون" و"كاليفورنيا الجنوبية"، وكلها من الجامعات التي يبذل الطلاب الكثير من أجل الالتحاق بها. وأوقفت الجامعات التي شملها التحقيق المتهمين في القضية، كما أقالت بعضهم، لكن لم يجرِ توجيه أيّ اتهامات للطلاب، إذ اعتبر المحققون أنّ الأهالي هم المسؤولون في تلك القضية.
واعترف ويليام سينغر، الذي قدم خدماته للأهالي كخبير بعملية الالتحاق بالجامعات، وتربطه علاقات قوية بالعديد من أصحاب النفوذ فيها، والذي اعتبرته سلطات التحقيق مهندس المخطط بأكمله، أمام محكمة فيدرالية، بالاتهامات الموجهة إليه، وكان من ضمنها الحصول على الرشاوى في صورة تبرعات، لصندوق وهمي تحت إدارته.
يتعرض الطلاب في عامهم الأخير في المدارس الثانوية في الولايات المتحدة الأميركية، عادة، إلى ضغوط كبيرة، في محاولة للالتحاق بجامعات تضمن لهم وظيفة جيدة وراتباً مقبولاً بعد التخرج. وفي حال الالتحاق بالجامعات المرموقة، يحصل الطالب أحياناً على عروض للتوظيف، برواتب مرتفعة، قبل تخرجه. ويتعين على الطلاب خوض بعض الاختبارات، من أجل تحقيق الدرجات التي تشترطها الجامعات كحدّ أدنى من أجل القبول بها، وأشهرها اختباري "سات" و"ايه سي تي"، اللذين تمثل الدرجة المحققة فيهما عاملاً مؤثراً عند اتخاذ قرار بقبول الطالب في الجامعة من عدمه. وتنتشر مكاتب الاستشارات، التابعة للحكومة والخاصة، التي تقدم خدماتها للطلاب، وتشمل المساعدة في الإعداد لخوض تلك الاختبارات واجتيازها، والمساعدة في كتابة مقال التقديم في الجامعة، والمساعدة في الحصول على المنح والمساعدات المالية من الجامعات أو الحكومة، وفي مقابل ذلك، تحصل تلك المكاتب على بعض الرسوم.
ذكرت التحقيقات أنّ شريكاً رئيسياً في أحد مكاتب المحاماة بنيويورك دفع 75 ألف دولار حتى تتمكن ابنته من السفر إلى لوس أنجليس لأداء اختبار "ايه سي تي" في غرفة خاصة في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تحت إشراف مراقب ممن جرت رشوتهم لمساعدتها في اختيار الإجابات الصحيحة. كذلك، جاء في التحقيقات أنّ أسرة أخرى دفعت 400 ألف دولار عام 2016، تحت مسمى "تبرعات" لصندوق وهمي، ليذهب جزء منها إلى من كان يتولى وقتها الإشراف على فريق كرة المضرب بجامعة "جورج تاون" ليوقع ورقة يدعم فيها ابنتها لدخول الجامعة، باعتبارها بطلة في اللعبة، وهو ما حدث بالفعل. وغالباً ما يحصل الطلاب الرياضيون، من ذوي البطولات، على عروض للدراسة بالجامعات الكبيرة، مع إعفاء جزئي أو كلي من المصاريف.
ومن ضمن أولياء الأمور المتهمين في القضية، برز اسم الممثلة التلفزيونية المعروفة فيليستي هوفمان، المعروفة بدورها في المسلسل الشهير "دستريسد هاوس وايفز"، والتي تقول التحقيقات إنّها دفعت مبلغ 15 ألف دولار، وحضرت ابنتها اختبار "سات" في موقع بعيد عن منزلها، من أجل توفير من يساعدها على تحقيق درجات مرتفعة في الاختبار المؤهل للقبول بالجامعة.
أيضاً، ظهر اسم الممثلة لوري لوغلين، التي لعبت دوراً في مسلسل "فول هاوس"، المتهمة مع زوجها مصمم الأزياء بالاحتيال، بعدما وافقا على دفع رشاوى بقيمة 500 ألف دولار، وفقاً لمحطة سي إن إن، من أجل قبول ابنتيهما في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، باعتبارهما بطلتي تجذيف، وهو الأمر المنافي للحقيقة، كما أثبتت التحقيقات.
تعليقاً على الاتهامات، يقول أنتوني جاك، الأستاذ المساعد بكلية التعليم بجامعة "هارفارد": "الأمر ليس أكثر من كشف لسر قديم، يقول إنّ المال يمكنه شراء الكثير". يشير جاك إلى أنّ من يعتبرون أنّ القبول في تلك الجامعات يجري على أساس ما يبذل من جهد، أو الطريقة التي يقدم بها الطلاب أنفسهم، من خلال الاختبارات أو المقالات أو الأنشطة الإضافية، هم مخطئون، فـ"الأغنياء، خصوصاً الأغنياء البيض، يلتفّون على القواعد منذ أمد بعيد. الآن، أصبح الأمر معروفاً على نطاق واسع فحسب".