"فضيحة" الكوليرا في اليمن

"فضيحة" الكوليرا في اليمن

12 ديسمبر 2018
تعالج في أحد المستشفيات (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -


غياب النظافة الشخصية وقلّة اعتماد لقاحات الكوليرا عاملان أثّرا سلباً على عمل المنظمات الإنسانية في اليمن، ومساعيها للسيطرة على الكوليرا الذي أصاب أكثر من 1.2 مليون شخص، ليكون اليمن أكثر البلدان تضرراً عبر التاريخ، بحسب دراسة حديثة أعدها مركز جونز هوبكنز للصحة الإنسانية التابع لجامعة جونز هوبكنز الأميركية.

وتشير الدراسة إلى أنّه لم تكن لدى المنظمات خطة كافية للاستعداد والاستجابة للكوليرا قبل تفشيه، على الرغم من انتشاره سابقاً في بعض دول المنطقة مثل الصومال والعراق.
وعمدت البلاد إلى تطوير خطّة استجابة لمكافحة الكوليرا خلال عامي 2016 و2017 بشكل متكرّر، ولم تعط في بادئ الأمر أولوية لأدوات القياس وغيرها من المكونات الأساسية لمكافحة الكوليرا. ويكشف المسح الذي نجمت عنه الدراسة عن "ثغرات أولية شابت عمل المنظّمات، بما في ذلك إجراء التحليلات من أجل تشخيص الاستجابة المناسبة واللجوء للقاح الكوليرا الفموي ومراقبة سلوك المجتمع والوقاية من العدوى ومكافحتها، إضافة إلى تطوير إمكانيات التشخيص".

وبحسب الدراسة، فإنّ مراكز العلاج لم تكن لا مركزية بالشكل الكافي، ولم تضمن وصول أكبر عدد ممكن من المرضى إليها. "إستراتيجيّة المنظّمات ركّزت على إنشاء مراكز حول المرافق الصحية، بدلاً من إنشائها في بؤر انتشار المرض، والمناطق النائية. إذ إن غالبية القاطنين في هذه المناطق لا يملكون المال للتوجه إلى المراكز الصحية".



الدراسة التي عُنونت بـ "حالة الاستعداد والاستجابة للوباء"، هدفت إلى استخلاص دروس حول مكافحة الكوليرا، والذي جعل اليمن في صدارة الدول لناحية عدد الإصابات، مذ بدأت أولى موجاته في سبتمبر/ أيلول في عام 2016 وحتى بداية الموجة الثالثة في مارس/ آذار الماضي، من أجل استعداد أفضل لمواجهة تفشي الكوليرا.

وتشير الدراسة إلى عدم إعداد أنظمة المراقبة والمختبرات كما يجب، خصوصاً في ما يتعلق بمراقبة انتشار الكوليرا خلال حالات الطوارئ. وتُرجّح أن يكون عدد الحالات المشتبه فيها، والتي بلّغت بها المنظمات، مبالغة بالمقارنة مع العدد الفعلي. إلّا أنّ غياب منهجيّة واضحة جعل علاج الحالات البسيطة المشتبه بها صعباً.

وعلى الرغم من الوتيرة السريعة لانتشار الكوليرا، تأخّرت المنظّمات في توفير الدعم الفني للفئات الأكثر تعرّضاً للمرض، مثل النساء الحوامل والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد. ولم تركّز المنظّمات على تمكين المجتمعات لإحالة المصابين للعلاج ومراقبة انتشار المرض من أجل ضمان استمرارية الوقاية كما جاء في الدراسة.

وعزت الدراسة جزءاً من عوامل زيادة انتشار المرض إلى رفض السلطات الصحية في صنعاء استيراد واستخدام لقاح الكوليرا الفموي، في وقت لم تتعامل المنظمات مع الأمر بحزم. وأوصت الدراسة المنظمات الإنسانية بالعمل على تحسين إجراءاتها من أجل الاستعداد والوقاية من انتشار المرض خلال حالات الطوارئ، في ظل ضعف الأنظمة الصحية العامة. وشملت التوصيات "تطوير عمل المختبرات لتكون أكثر قدرة على التعامل مع حالات الإصابة بالكوليرا، وتحسين الرقابة، واعتماد معايير القياس الدولية. كما يجب أن تولي اهتماماً أكبر للتنسيق في ما بينها"، مطالبةً الأمم المتحدة بتبني موقف أقوى بشأن حماية المرافق الصحية والبنى التحتية للمياه والصرف الصحي.

من جهته، يصف ناشط في المجال الإنساني الدراسة بـ "الفضيحة الإنسانية"، التي كانت قد شهدتها دول عدة في وقت سابق. ويقول المصدر الذي رفض ذكر اسمه إن "الدراسة فضيحة إنسانية تداوم المنظمات الإنسانية عليها من دون أن يكشفها أحد. أو ربما لا يهتم أحد بكشفها علماً أن اليمن اعتاد إهمال المنظمات الدوليّة حتى أصبح يعاني من أكبر أزمة إنسانية في العالم منذ عام 2014". ويشير إلى أن هم المنظمات في اليمن يتركّز في "جمع أكبر قدر من التمويل من دون الالتفات إلى تحسين عملياتها والتوصل إلى حلول دائمة وجذرية ممكنة".
ويؤكّد المصدر أن المنظمات "لم تساهم في منع الممارسات الصحية المحلية الخاطئة، خصوصاً في الريف. كما لم تلتزم بالاستراتيجيات العالمية للوقاية من المرض، لتكون النتيجة عودة انتشاره هذا العام للمرة الثالثة، وضياع مئات الملايين من الدولارات".



وتعدّ هذه الدراسة الأولى من نوعها، التي يصدرها طرف ثالث مستقلّ حول المرض وأداء المنظمات الدولية في مكافحته في اليمن. وراجعت الدراسة 114 وثيقة للمنظمات ووزارة الصحة اليمنية، واستطلعت آراء 71 شخصاً من العاملين والممولين لمكافحة المرض، وقد مولت وكالة التنمية البريطانية والاتحاد الأوروبي هذه الدراسة.

يُذكر أنّ اليمن شهد ثلاث موجات من انتشار الكوليرا: الأولى بدأت منذ أواخر سبتمبر/ أيلول عام 2016 واستمرت حتى فبراير/ شباط 2017. في حين أن الثانية بدأت في أواخر أبريل/ نيسان في عام 2017، واستمرت حتى مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، والثالثة ظهرت في سبتمبر/ أيلول الماضي.
وبحسب المنظّمات الأممية، فإنّ 9.3 ملايين يمني في حاجة ماسة إلى رعاية صحية. كما ساهم الوضع الصحي المتدهور في تفشي الكوليرا والدفتيريا.




المساهمون