رد مبضع الجراح

07 فبراير 2015
+ الخط -

أزعم أن لا أحد فيه بقايا من نزعة الإنسانية شاهد مقتل معاذ الكساسبة، رحمه الله، ثم استطاع النوم بأريحية، من دون اضطراب، أو أوجاع في المعدة والرأس، حتى المختلفون على مشاركة الأردن العسكرية في التحالف الأميركي لا يستطيعون الاختلاف على بشاعة القتل التي تعافها كل نفس سوية، فكيف لو زاد على ذلك أننا مسلمون، والرحمة و المرحمة عنوان ديننا؟
لم ننم ليلة الأربعاء، وظل المشهد يلاحقنا في صحوتنا، وزاد من ألم الموقف، العائلة التي خلفها معاذ وراءه، كل الأمهات وضعن أنفسهن مكان أمه، كل الآباء مكان أبيه، كل زوجة ترملت في سن صغيرة رأت مأساتها تتكرر في زوجه، بكينا أنفسنا ومآسينا فيه، وكأن في عائلته وقصته جزء من حياتنا جميعاً، غير أن الشريعة عندما حددت العزاء، في ثلاثة أيام، كان من المقاصد وضع حد لمظاهر حالة الحزن العاطفية التي قد تخرج الإنسان عن صواب قراراته، وحكمته، فالقرارات الحاسمة لا تؤخذ على غضب، والرجل المكين لا تستفزه، ولا تستخفه زلازل المحن، فقد جاء عن سيدنا عمر "الحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث الذي يعرف الفرصة والسرعة إلى الحرب بيان ضياع".
لن ينتهي حزن الأردنيين على فقيدهم بعد ثلاثة أيام، لكنهم من الرشد بمكان أنهم لن يقبلوا أن يعاد سيناريو معاذ، ولا بأقل منه، في الوقت الذي يمكننا أن نجنب خيرة أبنائنا حربا لا ناقة فيها ولا جمل، فرضت علينا من قوة عظمى، تتلاعب في دول المنطقة، حسب مصالحها، وتصطنع فئات مرتزقة تتاجر بالدين والقيم، وتشوه كل نبيل!
ربما تكون النار قد انطفأت في جسد معاذ، لكنها لم تنطفئ في قلوب الأردنيين، غير أن رد فعل الدولة على هذه التنظيمات لا يكون بمثل أفعالها، فنحن دولة هاشمية، تنتسب إلى رسالة الإسلام السمحاء، كما أننا دولة قانون ومؤسسات، لا نرد على الإجرام بمثله.
وحتى إن وجب الثأر، فإنه يكون بقدر الشق الذي يحدثه مبضع الجراح للشفاء، يتوجه فقط ضد القتلة، ولا ينال في طريقه، ولا حتى بالخطأ، شيخاً ضعيفاً، أو امرأة عزلاء، أو طفلاً رضيعاً، فأن نتخفف في العقوبة، حفاظاً على حياة الأبرياء المدنيين الموجودين على الأرض، قصراً او اختيار جهالة، خير من أن نشتط في العقوبة، فنأخذ بطريقنا الأبرياء. هذا هو الضمير المسلم الأردني الذي يعفو عفو القادر، فنحن لسنا أميركا تقتل الأبرياء وتسميهم ضحايا لا بد منهم، ولسنا جبناء كأفراد هؤلاء التنظيمات، لنختبئ ونعيش بين المدنيين، ونعرضهم للخطر!
لدينا ما يكفينا من الملفات الداخلية التي يجب أن نتوحد على معالجتها، فتهديدها أكبر علينا من التنظيمات التكفيرية، فالبشر عندما تهان كرامتهم وتصادر حرياتهم، وتسلب أرزاقهم، يخرجون من عقال العقل ووسطية الحكمة ويتطرفون، والأردن لا يحتمل الزج به في جبهات أخرى، قبل تمتين الجبهة الداخلية وإصلاحها. قال الشاعر:
أرى بين الرماد وميض نار/ يوشك أن يكون لها ضراما
فإن لم يطفئها عقلاء قوم/ يكون وقودها جثثاً وهاما
عقلاء القوم موجودون، يقودهم الوالد المكلوم وولي الدم وصاحب البصيرة، الحاج صافي الكساسبة، الذي قال لمعزيه من فلسطين: "ليت طائرة ابني سقطت على تل أبيب، بلغوا سلامي لأهل غزة".
عرف الحاج، على الرغم من جرحه، العدو الأول والأخير الذي يحب أن تتوجه إليه بوصلة كل مسلم من دون إبطاء، فاسمعوا له، فلا أحد بحرصه، ولا بحرقة قلبه.
حفظ الله الأردن والأردنيين من المتاجرين بأحزانهم ودمائهم ومستقبلهم.

 

avata
avata
ديمة طارق طهبوب (الأردن)
ديمة طارق طهبوب (الأردن)