رئاسة الحكومة التونسية خارج "النداء": طمأنة الخصوم وإحراج المرزوقي

رئاسة الحكومة التونسية خارج "النداء": طمأنة الخصوم وإحراج المرزوقي

15 ديسمبر 2014
السبسي أكد أن حزبه لن يحكم بمفرده (فرانس برس)
+ الخط -

بدأ حزب "نداء تونس" الفائز بالانتخابات التشريعية التونسية والمكلف دستورياً بتشكيل الحكومة، مساعيه لإعداد التشكيلة الحكومية الجديدة، وجس نبض الساحة السياسية والاتصال بالعديد من الأسماء المرشحة لرئاستها، كما كشفت مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد".

ولم تستبعد المصادر أن يعلن رئيس "نداء تونس" والمرشح الرئاسي الباجي قائد السبسي عن اسم رئيس الحكومة قبل موعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، لاستعماله كورقة انتخابية قد تُسقط جزءاً من استراتيجية منافسه الرئيس الحالي منصف المرزوقي، التي تقوم على فكرة التوازن السياسي ومواجهة تغوّل "النداء" وسعيه للإمساك بكل مفاصل الدولة وبالتالي عودة استبداد الحزب الواحد.

وعلمت "العربي الجديد" أن من بين الأسماء المرشّحة لرئاسة الحكومة، عبد الكريم الزبيدي الذي شغل منصب وزير الدفاع في حكومة علي العريض، والفاضل خليل الذي كان مرشحاً لقيادة الحكومة قبل مهدي جمعة، واقترح الحبيب الصيد في منصب وزير الداخلية، في ظل تردد اسم غازي الجريبي للدفاع.

ويتضح من خلال هذه الأسماء التي بدأ الترويج لها، أن "نداء تونس" استبعد تعيين رئيس حكومة من داخل الحزب لإبعاد "تهمة التغوّل" التي وجّهها إليه منافسوه بالسيطرة على رئاسة الحكومة والبرلمان وربما رئاسة الدولة.

كما تتلاقى مع دعوة حركة "النهضة" لحكم تشاركي في تونس في المرحلة المقبلة، وتؤكد مصادر من الحركة لـ "العربي الجديد" أنها لا تمانع في ترؤس أحد الأسماء المذكورة للحكومة الجديدة، وأنها يمكن أن تجد توافقاً ما مع "النداء" لكي تُشكَّل الحكومة الجديدة من أسماء ليست حزبية بالضرورة ولا تنتمي لـ "النهضة" ولكن ينبغي أن توافق عليها، مشيرة إلى أن الحركة الإسلامية ليست "متلهفة" لتعيين أعضاء منها في الحكومة الجديدة ولكن يُفترض أن تكون توافقية ومطمْئِنة للجميع.

ويشدد القيادي في "النهضة" عبد اللطيف المكي في حديث لـ "العربي الجديد" على أن الحركة معنية بحكومة وحدة وطنية، وأن "النداء" لا يمكن أن يحكم بمفرده وأنه بحاجة إلى أغلبية نيابية عددية ونوعية لن تتحقق إلا مع "النهضة".

ويحاول السبسي طمأنة خصومه، إذ أعاد التأكيد مساء السبت أن حزبه "لا يستطيع أن يحكم بمفرده لأنه ليس من مصلحة تونس أن يحكمها حزب واحد"، مشيراً إلى أنه "ليس بالضرورة أن تكون تركيبة مجلس نواب الشعب هي نفسها تركيبة الحكومة المقبلة، كما ليس بالضرورة أن يكون رئيس الحكومة المقبلة من "نداء تونس"، ويمكن أن يكون شخصية وطنية مستقلة أو حزبية لديها القدرة على خدمة البلاد".

كلام السبسي يشكّل تأكيداً جديداً على ما أسرّت به مصادر قريبة من "نداء تونس" من أن رئيس الحزب يفكر بالفعل في شخصية قريبة فكرياً منه ولكن من خارج "النداء"، لإبعاد تهمة "التغوّل" وإنهاء الخلافات الحقيقية داخل حزبه حول هذا الموضوع ووضع حدٍّ لطموحات كثيرين داخل "النداء" بدأت تأخذ أكثر من حجمها، بحسب ما كشفت مصادر لـ "العربي الجديد".

إلا أن هذه المعادلة تبدو سهلة الحل قياساً مع بقية المعادلات، وأولها أن تحظى هذه الشخصية بإجماع القوى السياسية الهامة في تونس وعلى رأسها حركة "النهضة".

السبسي أعاد التأكيد في نفس السياق أنه ليس في تحالف مع "النهضة"، ولكن لا بد من التشاور معها باعتبارها الحزب الثاني في مجلس النواب، وهو ما يعكس وعياً بأن نجاح الحكومة الجديدة يستوجب بالضرورة أغلبية نيابية جديدة لا تتحقق من دون النهضة.

ولكن هذه المعادلة ليست الوحيدة بل هناك أطراف عديدة أخرى لا بد من إرضائها، وأولها المتحالفون صراحة مع "النداء"، مثل "الاتحاد الوطني الحر" وحزب "آفاق" الذي يترأسه ياسين إبراهيم، والذي تقول مصادر إن طموحه في ترؤس الحكومة كبير، وإن غيابه عن اجتماع لجنة مساندة السبسي في الانتخابات الرئاسية منذ أيام سببه محاولة الضغط على رئيس "النداء" في هذا الاتجاه، ولكن يبدو أنه أعطى مفعولاً عكسياً وأثار رفض "النداء" لهذا الأسلوب.

وبالإضافة إلى هذه الأطراف، يسعى "النداء" في الحكومة الجديدة إلى إرضاء أطراف أخرى مساندة له كـ "الاتحاد من أجل تونس"، و"الحركة الوطنية" وجزء من "الجبهة الشعبية" التي دعت صراحة إلى دعم السبسي، وحزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحّد".

وتكشف مصادر مطلعة لـ "العربي الجديد" عن بعض الأسماء المقترحة للمشاركة بالحكومة، ومنها العميد الفاضل موسى (عن الاتحاد في منصب وزير العدل) والتهامي العبدولي (عن الحركة الوطنية في منصب وزير أو كاتب دولة) وبسمة بلعيد (أرملة الراحل شكري بلعيد عن الجبهة في منصب وزيرة للمرأة).

وتؤكد مصادر من "نداء تونس" لـ "العربي الجديد" أن الحزب يدرك تماماً أن المرحلة المقبلة لا يمكن أن تنجح اقتصادياً بلا هدنة اجتماعية يؤمنها الاتحاد العام التونسي للشغل، ويسهم في الحد من الاضطرابات الاجتماعية التي تشلّ الحركة الاقتصادية وتعطّل أي استراتيجية تنموية، بالإضافة إلى ترحيل المفاوضات الاجتماعية حول الأجور بين الاتحاد وحكومة مهدي جمعة الحالية إلى الحكومة الجديدة.

وتعي قيادات "النداء"، بحسب المصادر نفسها، أن الاتحاد العام التونسي للشغل تسيطر عليه تاريخياً قوى يسارية وقومية، وهو ما يدفع "النداء" لإيجاد أرضية سياسية داعمة مخزونها الحقيقي الأكبر موجود في "الجبهة الشعبية" التي أعلنت بدورها منذ أيام أن المسافة بينها وبين الاتحاد زادت اتساعاً، وفرضت شروطاً قوية على "النداء" أهمها قطع العلاقة مع "النهضة" تماماً، وهو ما زاد في تعقيد المساعي ووضع "النداء" بالفعل بين فكّيْ "النهضة" و"الجبهة".

وتقول المصادر إن "النداء" قد يُرحّل الأمر برمته إلى الحوار الوطني الذي يقوده الاتحاد العام التونسي للشغل مع بقية المنظمات الأخرى، وأبرزها منظمة أرباب العمل، وهي المظلة الوحيدة التي نجحت في لمّ شمل جميع الفرقاء على اختلافهم من جهة، وتمسك بأوراق اللعبة الاجتماعية والاقتصادية من جهة أخرى، كما أنها قادرة فعلياً على إرساء هدنة اجتماعية حقيقية وفرضها على الجميع.

ولكن هذا الخيار قد يعني عدم قدرة "النداء" على إيجاد مخرج سياسي مع أنه الحزب المعني بقيادة البلاد، وبالتالي تفويض ذلك إلى مؤسسة غيره قد يترتب عليه انعكاسا واضحا إذا ما استغله منافسوه.

ولا تعني كل هذه الصعوبات أن "النداء" لا يملك أوراقا عديدة أخرى، أولها أنه ومع مؤيديه المعلَنين يحظى بأغلبية مريحة حتى قبل انضمام "الجبهة" أو "النهضة" إليه، وأنه يمكن أن يضع المعارضين في مواجهة الرأي العام في حال تعطيل عمل الحكومة، ما يتيح له مجالاً واسعاً للمناورة وضرب الخصم في جوٍّ اجتماعي لم يعد يتحمل مزيداً من التعطيل.

وهذا يدل على أن المعارضة بدورها ليست في وضع مريح، ولكن "نداء تونس" ينطلق من فرضية النجاح، خصوصاً مع وعود الدعم الاقتصادية الخارجية وانحياز الإدارة التونسية تقليدياً إلى أي حكومة تتميز بالمرونة.

المساهمون