خطوة وتسقط الثورة الليبية؟

خطوة وتسقط الثورة الليبية؟

26 يونيو 2014

قوات للحكومة الليبية في طرابلس (سبتمبر/2013/فرانس برس)

+ الخط -

تعمل الثورة المضادة في ليبيا بعدة أذرع، متناغمة ومتحالفة ومتداخلة، الإقليمي السعودي الإماراتي يحارب بكل قوة على الساحة الليبية، لإسقاط ثورتها على ديكتاتور طالما استخفَّ بهم، واستخفّوا به، فما زال الليبيون يتذكرون كلمة ولي العهد السعودي وقتها في القمة العربية في شرم الشيخ للقذافي "من جابك"، ولأنهم كزعماء غير منتخبين شعبياً يعرفون جيداً من يقف وراء كلٍّ منهم.

تمثل عملية الكرامة التي يتزعمها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ذراعاً أخرى من أذرعة إسقاط ليبيا في وحل الفوضى، حتى تتشكل وفق رؤية أحادية غير ديمقراطية، فالرجل إبان إقامته في أميركا يبدو أنه كان حلقة وصل جيدة بين وكالة المخابرات المركزية الأميركية والقذافي، وإلا فلماذا أهدى القذافي إلى عائلة حفتر فيلا فخمة في القاهرة، وهو المعروف بدمويته تجاه معارضيه، والتنكيل بهم أينما كانوا في أي من بقاع الأرض.

من الطريف أنه عندما ذهب حفتر من تشاد إلى أميركا، أقام في شقة فخمة في ولاية فرجينيا على بُعد خمسة كيلو مترات من مقر وكالة المخابرات الأميركية، بينما بعض الجنود والضباط الذين رحلوا في الفترة نفسها، من تشاد إلى الولايات المتحدة، أقاموا فترة في قبو كنيسة قذر، وجمع معارضون ليبيون تبرعات لأجل إعداد وجبة عشاء لهم.

ومن الغريب أن ينبري، الآن، أحد كارهي حفتر في أميركا، وهو الإعلامي، محمود شمام، للدفاع عن عملية الكرامة، وهي عملية عسكرية، يشترك فيها ضباط وعسكريون ومليشيات قبلية، تستهدف اجتثاث التيار الإسلامي الراديكالي منه، والمؤمن بالعملية الديمقراطية، حتى أن أحد رفاق شمام القدامى في المهجر قال عنه إنه يغرق في التكتيك إلى حد نسيان الاستراتيجيات.

ثمة، في العاصمة الليبية طرابلس، توازن رعب مسلح بين مليشيات الصواعق والقعقاع، الذراع السياسية لحزب تحالف القوى الوطنية، بقيادة محمود جبريل، والذي يدير حزبه من الإمارات منذ نحو عام، وبين مسلحين ينتمون إلى درع المنطقة الوسطى والغربية، ترجع أصولهم إلى مدن ساندت ثورة فبراير من لحظاتها الأولى، مثل مصراته وغريان والزاوية، ما يمنع المواجهة العسكرية في مدينةٍ، تُعد مكتظة بالسكان، مقارنة بالمدن الليبية الأخرى.

إلا أن مؤسسة بلغ عمرها خمسين عاماً، تمارس دوراً مسانداً للثورة المضادة، وفي خفاءٍ تام، بعيداً عن الضجيج، هي مؤسسة القضاء الليبي. ويعرف كل من له دراية بالقانون الليبي أن حكم الدائرة الدستورية في المحكمة العليا، اعتبار حكومة أحمد معيتيق، المنتخب من المؤتمر الوطني، غير دستوري، يعرف أنه مخالف للقوانين الناظمة لاختصاص الدائرة الدستورية، والتي يمتنع عليها النظر، إلا في مدى دستورية تشريع ما. وبالتأكيد قرار المؤتمر الوطني، سيادياً كان أم إدارياً، ليس قانوناً حتى يُحكم بعدم دستوريته.

وستفصل الدائرة الدستورية، اليوم الخميس، في مدى دستورية قانون العزل السياسي، وهو توقيت أكثر من مناسب، حيث أجلت المحكمة العليا الفصل في دستورية قانون العزل السياسي إلى يوم انتهاء انتخابات مجلس النواب المقبل، والذي سيحل محل المؤتمر الوطني الحالي. وبالتالي، إذا حكمت المحكمة العليا بعدم دستورية قانون العزل السياسي، فلن تكون هناك فرصة لتصحيحه، لأننا سنكون في فترة تسليم بين المؤتمر الوطني ومجلس النواب.

أيضاً، تأتي انتخابات مجلس النواب في ظروف شُيطن فيها عموم التيار الوطني، عن طريق إعلام ممول من دول إقليمية ورجال أعمال فاسدين، لهم ارتباطاتهم المعروفة بالنظام السابق. وفي هذه الفترة، جعل إعلام الثورة المضادة كل الإخفاقات من نصيب المؤتمر الوطني العام، في حين دافع عن حكومة الهارب، علي زيدان، الذي منحه المؤتمر ميزانية قاربت 70 مليار دينار، لم نر لها أثراً في صغريات المدن الليبية أو كبرياتها.

كذلك نجح تيار الثورة المضادة في تشويه الأحزاب السياسية، إلى حد منعها من المشاركة في انتخابات مجلس النواب، ولم يسأل أحدهم عن سبب نجاح الأحزاب في كل بلاد الله، فيما تفشل في ليبيا. وليس متوقعاً لمجلس النواب المقبل أن يكون أفضل حالاً من المؤتمر الوطني، إذ سينتخب الليبيون مائتي عضو فردي، وإن كان لبعضهم توجهات حزبية خاصة مع تحالف رجال الأعمال وحزب تحالف القوى الوطنية، حيث يسمون مرشحيهم بالتيار المدني، وحذف الليبرالي، أو العلماني، المشحونتين بدلالات سلبية لدى قطاعات واسعة من الليبيين، أو حتى غير المفهومتين لدى قطاعات أخرى.

على الجانب الاقتصادي الآخر، يغلق متحالفون مع الثورة المضادة في شرق البلاد الحقول والمرافئ النفطية، الأمر الذي يفاقم من الأوضاع الاقتصادية، وقد يجعل ليبيا في حال استمرار هذا الوضع، عاجزة عن دفع مرتبات موظفي الدولة.

في نهاية هذه الجولة، نستطيع القول إن الثورة المضادة، بقيادة الإمارات والسعودية وحفتر وحزب تحالف القوى الوطنية ومغلقي الحقول النفطية، يريدون جميعاً إعادة ترتيب مشهد سياسي ليبي، خال تماماً من التيار الإسلامي، أيا كانت توجهاته، وأياً كان إيمانه بالعملية الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة، أو كفره بها.

A8212A5E-4B14-470D-B474-5D3D429C326F
هشام الشلوي

صحفي ليبي، حاصل على ليسانس حقوق من جامعة بنغازي عام 1995، باحث في مركز العين الليبي للإعلام والصحافة والدراسات.