هل يفهم العالم ما يجري في ليبيا؟

هل يفهم العالم ما يجري في ليبيا؟

20 أكتوبر 2014

ليبيون يتظاهرون في طرابلس ضد قوات حفتر (15أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

لا يبدو أن هناك رغبة عالمية لفهم حقيقة ما يجري في ليبيا، أو المساهمة، بشكل جاد، في استقرار البلد المتوسطي، متعدد الأبعاد، المشرقية والمغاربية والإفريقية. فمجرد الاستماع إلى بيانات المسؤولين الغربيين أو الأمميين، وتصريحاتهم، عن الأوضاع في ليبيا، يثير الغثيان لدى الليبي الذي يعي حقيقة ما يجري على أرض بلده، بسبب، أحياناً، تعمد سوء الفهم، وقلب الحقائق والمفاهيم والتغاضي عن سلوكياتٍ، تصل إلى حد جرائم الحرب، فقط بسبب دعاوى الإرهاب.

فمثلا مقارنة بسيطة بين الأوضاع الأمنية، قبل تاريخ السادس عشر من مايو/أيار الماضي، وهو تاريخ انطلاق حملة الكرامة العسكرية على بنغازي شرقي ليبيا بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بدعم إقليمي محتشم ومستتر في بدايتها، ثم معلن وصارخ لاحقاً، وما بعدها، وبنوع من التجرد، سيلاحظ أن معدل الانهيار الأمني ارتفع بنسب مرعبة جداً، ناهيك عن التدهور الاقتصادي، وخروج أغلب الشركات الأجنبية من شرق ليبيا، وقفل المطارات والموانئ، وزيادة التشقق الاجتماعي بين المدن والقبائل، والقبض والاعتقال والسجن بدون أية محاكمات استثنائية، أو طبيعية، على الهوية والانتماء السياسي.

لا يلاحظ المسؤولون الغربيون، والأمميون عموماً، والأميركيون خصوصاً، أو يلاحظونه، لكنهم يتغاضون عنه، بسبب أن حفتر عزف على وترهم الحساس، وناشد فيهم غرائزهم السياسية والأمنية، مدعياً أنه يحارب الإرهاب في ليبيا، نيابة عنهم.

وأطلق الغربيون يد المصريين والإماراتيين والسعوديين، لتعبث بليبيا، كما عبث باليمن وسورية، وأسقطت نظاماً منتخبا بمصر، وكان اللواء حفتر حمامة نشر السلام في ليبيا، والقضاء على كل الأصوات المعارضة في ليبيا، لاستنساخ النظام السابق، والعودة بأدواته وآلياته، لصدارة المشهد السياسي الليبي.

وسأضرب مثلين، أحدهما عبرت عنه السفيرة الأميركية في ليبيا والمقيمة في مالطا، والآخر عبر عنه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، برناردينو ليون، دليلاً على تعمُد إغفال الحقائق وطمرها، بغية تحقيق أهداف سياسية، حتى ولو كانت على حساب أمن بلد واستقراره، ومصير شعبه.

وقد ركزت السفيرة الأميركية ديبورا جونز، والتي تعبر عن مواقف الخارجية الأميركية، عبر حسابها على "تويتر"، ركزت على ما أسمته هجوم أنصار الشريعة على مدينة بنغازي، وأكدت، يوم الجمعة الماضي، على ضرورة مواجهة الجماعات الإرهابية من القوات النظامية، الواقعة تحت سيطرة الدولة، مشددة.

لكن، يقول الواقع الماثل في بنغازي غير ذلك، فلا القوات التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر نظامية، بمعنى أنها تعمل وفق سلسلة من الأوامر العسكرية والانضباط، بل هي مليشيات مختلطة، بعضها من منتسبي الجيش، وبعضها أبناء قبائل موالون لحفتر، وإلا لماذا دعا الأخير نفسه ما سماهم المنتفضين المسلحين في بنغازي لمساندة قواته؟ وكذلك فعل رئيس حكومة مجلس النواب، عبد الله الثني، فحفتر والثني يسعيان إلى إيجاد واقع، سبق للولايات المتحدة أن نفذته في العراق، أو ما تسمى "الصحوات" التي جاءت بعد أن فقد الجيش العراقي مقوماته الأساسية، على يد حاكم الإدارة المدنية في العراق، بول بريمر.

بوجه من الوجوه، أو بطريقة ما، تحول خليفة حفتر وعبد الله الثني إلى بول بريمر ليبيا، وذلك بإيجاد أجنحة موازية للقوات المشكوك في أنه جيش بالمعنيين، الفني والقانوني، والتي تقاتل إلى جانبهما.

وكانت معلومات من مصادر متطابقة قد أكدت أن شباباً مشاركين في الانتفاضة المسلحة في بنغازي، إلى جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قد تلقوا تدريبات على حرب الشوارع ومكافحة الإرهاب في دول أوروبية، أبرزها بلغاريا، بإشراف ضباط من الولايات المتحدة الأميركية، بموجب طلب كان قد قدمه رئيس الحكومة السابق، علي زيدان، لمجموعة دول الثمانية في يونيو/حزيران 2013، دعم وتأسيس قوة مسلحة مسمى قوة الأغراض العامة. وقد بدأت الولايات المتحدة بتدريب هذه القوة على أن تتكفل ليبيا بمصاريف تدريبها، والذي بدأ في ربيع 2014 في بلغاريا، بحسب تقرير صادر عن لجنة الشؤون الخارجية التابعة للكونغرس.

وقد دخل برناردينو ليون، رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، هو الآخر، على خط جوقة التهريج، فقال لقناة العربية إن هناك إجراءات تجري في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، لإعلان تنظيم الشريعة في ليبيا منظمة إرهابية. وعبر فقط عن استيائه من الهجمات التي شنها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الأربعاء الماضي، على بنغازي، موضحا أنها ستزيد الوضع توترا.

طبعاً، لا نستطيع أن نثق ببرناردينو ليون الذي كان سفيراً للاتحاد الأوروبي إلى مصر، قبل أن يصير مبعوثاً للأمم المتحدة في ليبيا، وهو الذي حمل رسائل طمأنة للرئيس المصري المنقلب عليه، محمد مرسي، أن الجيش المصري ووزير دفاعه، عبد الفتاح السيسي، لن ينقلب على نظام الرئيس مرسي المنتخب.

لا ينظر ليون لمليشيات حفتر على أنها منظمة إرهابية قصفت المدنيين، واستعانت بطائرات حربية مصرية، دمرت مخازن أدوية المستشفيات في بنغازي، وحرقت كتب المدارس التي منعتها مليشيات حفتر من أن تبدأ في بنغازي، كباقي المدن الليبية، وأغلقت الجامعات. ولا يعتبر ليون أن إغلاق مرافئ ومطارات وتشريد مئات العائلات، بسبب القصف الجنوني لمليشيات حفتر، عملاً إرهابيا، فقط لأن حفتر لا يصدّر إرهابه عبر نصوص دينية.

مثل هذه التصريحات والتعليقات غير المسؤولة أشد تطرفاً وإرهاباً سياسيا، من التطرف الديني، وهذا لن يحل المشكلة الليبية، بل سيؤججه إلى أعلى درجاتها.

A8212A5E-4B14-470D-B474-5D3D429C326F
هشام الشلوي

صحفي ليبي، حاصل على ليسانس حقوق من جامعة بنغازي عام 1995، باحث في مركز العين الليبي للإعلام والصحافة والدراسات.