خطايا الإعلام المصري: استقطاب وتحريض بتمويل عربي

خطايا الإعلام المصري: استقطاب وتحريض بتمويل عربي

30 يونيو 2014
بعد شهرين تماماً: متظاهرون ضد الدكتاتورية العسكرية (Getty)
+ الخط -
لم يكن حديث الرئيس المصري الجديد، عبد الفتاح السيسي، عن "الأذرع الإعلامية"، في حديث مسرّب له عندما كان وزيراً للدفاع بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز من العام الماضي، محض مصادفة أو ارتجال. فها هو الإعلام المصري، يسير في نسق مرسوم له مسبقاً، من دون أن يحيد عنه. ومن الواضح أن جملته كانت شديدة الصدق والدلالة.

ويصف أستاذ الصحافة والإعلام بجامعة القاهرة، محمود خليل، الخطاب الإعلامي الذي سيطر على الساحة السياسية في مصر منذ 30 يونيو/ حزيران 2013، وحتى تاريخ هذا العام، بـ"الانحياز الإعلامي الواضح لطرف واحد.. فنحن بصدد خطاب دعائي أكثر منه خطاباً إعلامياً".
"سقطت القيم الإعلامية لحساب السياسات"، بحسب خليل، الذي اعتبر هذا النوع من الإعلام "أسوأ مستوى أداء يمكن أن تشهده أمة". ولأن الاستقطاب الحاد في المشهد السياسي المصري انعكس بالضرورة على المشهد الإعلامي، يقول خليل إن "الإعلام المصري اتخذ جانباً تحريضياً واضحاً، وساهم في إحداث نوع من الانقسام بين المصريين، أو على الأقل، عمّق الانقسامات التي نشأت منذ بدء 2013"، وأكد على أن "كل هذا سيسجله التاريخ بصفته حالة مرضية انتابت الإعلام ككل".
هكذا أصبح الاستقطاب والتحريض والدعائية، الخطايا الثلاث الأولى للإعلام المصري، من وجهة نظر أستاذ الإعلام، أما الخطيئة الرابعة فهي "ما صنعه الإعلام من حالة تشوش معلوماتي، من خلال نشر وإذاعة أخبار متضاربة دفعت المتلقي نحو الحيرة".
يرى خليل أن الإعلام المصري الخاص، كان أكثر مرضاً من الإعلام الرسمي، على غير المتوقع، فالثاني حاول التوازن قدر المستطاع، وهو ما بدا جليّاً في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عندما بدا الإعلام الخاص منحازاً بشكل كامل باتجاه مرشح واحد.

خرافات الـ"توك شو"

"مرسي سيبيع سيناء للفلسطينيين، مرسي سيبيع قناة السويس لقطر، وحلايب وشلاتين للسودان"، نماذج ممّا كان يردده مقدمو برامج "توك شو" في مصر للترويج لـ30 يونيو/ حزيران 2013، الأمر الذي دفع الشباب للتهكم من كل هذا الترويج بقول: "مرسي سيحوّل مياه النيل لمكعبات ثلج ويبيعها لتركيا".
كانت هذه المبالغات قبل 30 يونيو/ حزيران 2013، وهو ما لم يختلف كثيراً عمّا يروجه مقدمو برامج التوك شو في مصر خلال العام المنصرم ما بين يونيو 2013، ويونيو 2014، فقد "تقلّد مقدمو البرامج دور الزعماء السياسيين، وتحوّل كل منهم لمقدم وضيف وسارد معلومات ومصدر"، هكذا يصفهم أستاذ الإعلام.
وذهب الى ما هو أبعد من ذلك، قائلاً: "مخبرين"، معلّقاً على إذاعة بعضهم تسجيلات ومكالمات هاتفية لنشطاء وأطراف في اللعبة السياسية على الهواء مباشرة، وهو ما منح المتلقين إحساساً بأن هؤلاء الإعلاميين تربّوا على أيدي "لواءات في وزارة الداخلية، وليس على يد أساتذة في كليات الإعلام".
ليس بعضهم "مخبرون" فقط.. فالبعض الآخر "مبتذل"، بحسب توصيف خليل، الذي تابع: "أصبحنا نسمع كمّاً هائلاً من الألفاظ النابية، مع عودة "التخوين والعمالة للخارج والتكفير والخيانة".

المال العربي والوعي المصري

مَن يموّل القنوات الفضائية الخاصة التي انتشرت بعد ثورة 25 يناير بشكل واسع؟ سؤال ترفض السلطات المصرية، كما القائمين على صناعة الإعلام في مصر، الإجابة عليه صراحة، وتُترك إجابته لتقييمات وتسريبات خبراء الإعلام والمعلنين وشركات الإعلان والعلاقات العامة.
وهناك بعض القنوات، تمويلها معلوم مصدره، مثل قناة "الجزيرة" القطرية، و"إم بي سي مصر" التابعة لمجموعة "إم بي سي" السعودية.
وبحسب مصادر من داخل قناة "سي بي سي"، فإن تمويلها إماراتي بالكامل، بدأ برأس مال قدره 200 مليون جنيه مصري، أي ما يوازي نحو 30 مليون دولار أميركي، وقًع فيها الإعلاميون ومقدمو البرامج على عقود تضمن لهم نسباً من الإعلانات والأرباح، فضلاً عن ترك خانة الأجر فارغة، يحددها المذيع أو مقدم البرنامج، وهذا أيضاً بحسب مصادر من داخل القناة فضّلت عدم الكشف عن هويتها.
وفي هذا السياق، يقول أستاذ الإعلام المصري، إن المال العربي بدأ يظهر على خريطة الإعلام المصري بعد ثورة يناير، وبدأ بـ"الجزيرة مباشر مصر". واعتمدت هذه القنوات على تمويل عربي من دول مختلفة، كانت تسعى من خلالها للحفاظ على عروشها، ولعبت دوراً في توجيه المواطن المصري، من خلال دعم الأطراف السياسية التي ترى أنها تحقق لها الحفاظ على الاستقرار.
"الكل يلعب لمصالحه.. هذه القنوات الخاصة الممولة عربياً، كانت بمثابة رأس الحربة في اللعب. تدرك جيداً أن مصر هي رمانة ميزان المنطقة العربية، لذا رأت ضرورة التدخل ودعم بعض الأطراف السياسية التي تخدم توجهاتها"، ومع ذلك، لا يرى أستاذ الإعلام عيباً في تمويل هذه القنوات وتخصصها في الشأن المصري، شريطة "الشفافية والإعلام عن الممولين والمُلاّك".

"البرنامج".. ضحك في زمن البكاء
باسم يوسف، طبيب مصري، دخل مجال الإعلام من خلال حلقات كان يذيعها خلال ثورة يناير، على موقع "يوتيوب"، فحقق جماهيرية واسعة شجعت أصحاب القنوات الفضائية على التعاقد معه. بدأ في قناة "أون تي في"، لمدة موسمين، ثم لقناة "سي بي سي" لمدة موسم كامل طوال فترة حكم مرسي، وثلاث حلقات فقط في الموسم الثاني في عهد السيسي. ومنها إلى قناة "إم بي سي مصر" قبل أن يتوقف برنامجه مرة أخرى قبل الانتخابات الرئاسية وإلى الأبد.
"باسم كان يمارس نقداً لاذعاً طوال حكم مرسي، وكانت المعارضة تستقبله بحفاوة. أما في عهد السيسي، فقد ظهرت التحفظات على أسلوبه وحديثه عن السيسي وصنّاع القرار والجيش".
ويعتقد خليل أن "المعايير الأخلاقية التي ظهرت في عهد السيسي، لم يكن لها وجود في عهد مرسي. وفي حقيقة الأمر أن إيقاف برنامج باسم يوسف، له دلالة شديدة على وضع حرية التعبير خلال السنوات المقبلة، وعلى حق الإعلاميين في نقد السلطة التنفيذية"، ويختتم خليل تحليله للإعلام المصري وأدائه قائلاً: "مصر قد الدنيا.. ولكنها ليست قد برنامج".

المساهمون