حكواتي: كشكول الحيفاوية الحافية

حكواتي: كشكول الحيفاوية الحافية

24 مايو 2014
حلم البحر (getty)
+ الخط -
كان يا ما كان في بنت صغيرة ولدت في مدينة الناصرة. منذ ولادتها كانت كثيرة البكاء، ولم تكن تهدأ إلا عندما كان والدها يحكي لها حكايات عن قيساريا (قريته المهجّرة) والبحر. ولما بدأت بالكلام في عمر مبكر جداً (10 أشهر) كانت كلمة بحر من أوّل الكلمات التي قالتها.

ولمّا صار عمرها سنة ونصف السنة انتقل أهلها للسكن في حيفا، ومن يومها توقفت الصغيرة عن البكاء، وصارت تمضي معظم وقتها على الشرفة تراقب البحر، بحر حيفا.

لا أدري كم هي حقيقية هذه الحكاية التي تردّدت طويلًا في عائلتي عن تعلّقي المفرط بالبحر. لكنّها حقيقية جداً بكلّ أوجاعها وأفراحها..، حكاياتي مع حيفايَ ومع حبّي لها الذي ما زال يكبر ويتعربش (ع جدران هالقلب)  كلّما أنا كبرت (ما بحبّ كلمة تقدّمت بالسنّ). في حيفا لي حكايات وحكايات.

أوّلها حكايتي مع البحر الذي نسجت حكايتي معه ملامح وجداني. البحر الذي كان في سنوات الطفولة قريباً جداً من ناحية وصعب المنال من ناحية أخرى. أكاد ألمسه بيدي من شرفة منزلنا. لكنّ الوصول إليه عسير وطويل ويكلّف مالًا ما كان الأهل يملكونه يومها.

حيفا حكايات مدينتي ومنفاي. هي الوطن والغربة. فيها ترعرعت طفلة فلسطينية في حيّ الهدار، الذي كان في بداية الستينيّات حياً يسكن بيوته الفلسطينية التي تهجّر أهلها يهود من أوروبا، ولاحقاً من الدول العربية. كانت شقتنا في بيت محاذ لمحطة باصات، ولم تكن أمي تسمح لنا بالخروج من حاكورة البيت لنلعب في الشارع. وكان تعامل الجيران معنا عنصرياً جداً. كانوا ينادونني لأكون "جوي" السبت (غريبة السبت). ينادونني لكي أقوم بدلاً عنهم بإشعال الفرن أو الإضاءة مقابل قطعة كعك بالشكولاطة ما زال طعمها تحت لساني.

حيفا حكايات مسارح شقاوة الطفولة ومروج الخيال. "قبّة عباس"، المعبد البهائي بقبته الذهبية، هو رمز حيفا السياحي. كان يطلّ بكامل غموضه من شباك غرفة نومنا أنا وأخوتي الثلاثة. فكانت جنية عباس حوريتي الخيالية الجبلية التي طالما رافقت أحلام يقظتي. وخفّفت وجع اغترابي.

وادي النسناس، الحيّ الفلسطيني وسوق المدينة كانا مساري اليومي من البيت إلى المدرسة ذهابا وإياباً. وكانت بديعة المجنونة معلمتي الثانية بعد أبي في فنّ سرد الحكايات. رفيقة رحلتي اليومية في طريق عودتي من مدرسة مار يوحنا الأنجيلية إلى البيت.

"كشكول الحيفاوية الحافية" سيكون مثل كشكول النورية. فيه كل ما هبّ ودبّ من حكايات عشت وأعيش تفاصيلها يومياً في حيفا وباقي أنحاء الوطن المتاح.

المساهمون