حكواتي: الحسناء والكرش

31 مايو 2015
+ الخط -
أجمع الأطباء بعد ثبوت إصابته بعلة قلبية مستعصية أن عليه ممارسة رياضة المشي كل صباح ولمدة ساعة، ولأنه كان "دباً كسولاً" في نظر زوجته، فقد بذلت مجهوداً كبيراً في إقناعه بضرورة ممارسة رياضة المشي في الصباح قبل أن يذهب لعمله بسيارته، فأشارت عليه أن يمشي في المنطقة المحيطة بالبيت ويلفها عدة مرات، حيث يقع بيتهم في منطقة سكنية حديثة من تلك المناطق التي تقيم فيها الحكومة البنايات، ثم تقوم ببيع الشقق بالتقسيط للموظفين، خصوصاً عن طريق القرعة، فكان كل حي من هذه الأحياء على شكل مربع تتوسطه حديقة تتناثر بها الأراجيح الصغيرة لأطفال الموظفين، وتنبت في أكثر من مكان شجيرات صغيرة.

قالت له: "اذهب لممارسة رياضة المشي حول المربع السكني باكراً، وفي نهاية الوقت المقرر لرياضتك اقصد السوق القريب، فتسوق لنا بعض الخضار، وعرج على بائع الفول والفلافل لتبتاع لنا إفطارنا". وهكذا انصاع لاقتراحها وهو يتأمل كرشه المدلى أمامه.

في الأيام الأولى كان يسير منتعلاً حذاء رياضياً خفيفاً، ويرتدي بذلة رياضية كحلية أهدتها له زوجته، ولا يلتفت يمنة أو يسرة؛ فهو لا تربطه علاقة بأي من السكان سوى تحيات عابرة.
بعد عدة أيام خطر على باله أثناء سيره أن يرفع رأسه ليتأمل البنايات المحيطة بالبناية التي يقطن فيها، فقد قرأ في العقد الخاص بشقته أنها متشابهة تماماً من حيث التصميم الخارجي والداخلي، ولكنه اكتشف الاختلاف في المحتوى، فإذا به يرى ما لم يتوقعه، فهو كان يعتقد أن كل الجارات هن من شاكلة زوجته التي قاربت الخمسين من عمرها؛ والتي تعصب رأسها طول الوقت وترتدي مريلة المطبخ حتى المغرب، ولكنه رأى جارة حسناء تقف في شرفتها وتنفث دخان سيجارة راسمة لوحة هزت أوتار قلبه، فالتفت صوب الناحية الأخرى لكي يغض بصره محترماً للجيرة، فرأى جارة أخرى تقف في الشرفة وهي تحمل بيدها الرقيقة فنجاناً مزركشاً.

مرت الأيام التالية وهو يمشي ويرفع رأسه للأعلى، ويقارن بين الجارات الحسناوات الشابات اللواتي يراهن أثناء ممارسة رياضته، وبين ذلك الكائن مستدير التضاريس القابع في البيت، وقرر أن يبدي ملاحظة لزوجته فقال لها: "ألم تفكري بإنقاص وزنك"، فردت عليه أن النساء غير مهددات بأمراض القلب لأن هرموناتهن الأنثوية تتولى حمايتهن... فابتلع صمته، ولكن مرأى جارة أخرى وهي تمارس تمارين اليوغا في شرفتها أطار صوابه، فعاد للبيت لاهثاً وهو يتصبب عرقا من فرط الانفعال، وطلب من زوجته أن تذهب لمصفف الشعر وتقص شعرها، وانزلق لسانه من فرط التأثر، فقال لها: مثل جارتنا التي تسكن في الدور الثاني من البناية المقابلة.

رنت الملاحظة في تلافيف عقل الزوجة؛ وهي تعرف أن هذه الجارة أرملة تعيش مع أطفالها الصغار، وأنها جميلة لدرجة تدير بها عقول رجال الحي، وأصبحت العدو الأول للجارات، فاستشعرت خطراً وتحرك ترمومتر الأمان بداخلها، واسترجعت ملاحظات زوجها السابقة حول قوامها وشعرها؛ والتي أصبح يبديها كل يوم بعد عودته من رياضة المشي.

اتخذت قراراً ونفذته، ففي صبيحة أحد الأيام ارتدت ملابسها على عجل، وأخبرته أنها سترافقه في جولته الصباحية حول مربعهم السكني؛ والذي أخبرها أنه يلفه عشرات المرات، فضربت رأسها هذا الصباح لائمة نفسها بأنها قد "أعطت القط مفتاح الكرار"، وسارت بجواره وهو لا يرفع رأسه بل يركل الحصى ويتأفف، ثم طلب منها العودة إلى البيت سريعاً بدعوى أنه تذكر عملا خاصا ينتظره يستوجب منه الذهاب للدوام مبكرا.

في اليوم التالي أعلن أنه سيتوقف عن ممارسة رياضة المشي، فأسرعت هي إلى السوق دون اعتراض واشترت جهازاً لممارسة رياضة المشي ووضعته في صالة البيت، واستقدمت نجاراً وطلبت منه أن يغلق الشرفة بموانع خشبية، تسمح فقط بمرور الهواء من خلال طبقة من السلك الدقيق، مدعية أن ضوضاء الشارع وحشراته تنغص عليهم راحتهم.

ارتاحت بعد هذين الإجراءين، ولكن زوجها بقي صامتا وساهما بعد ذلك، وأصبح يطيعها ويمارس رياضة المشي مستخدماً الجهاز، ولكنها لم تربط إطلاقاً بين اختفاء الأرملة الحسناء من الحي وغياب زوجها عن البيت لليالٍ عدة، مدعيا أن لديه مأموريات خاصة بالعمل خارج المدينة تستلزم سفره..........

إقرأ أيضاً: أصول الإتيكيت: الكروش أولاً
المساهمون