حكواتي: ادعي لي يا فاطمة...

14 يونيو 2014
حين ننتبه إلى المتسوّل (Getty)
+ الخط -

في صباح يوم عادي جدا، وأنا في  طريقي مسرعة إلى البنك في منطقة الهدار بحيفا، استوقفني طويلا فتى جميل وسعيد جدا يركب درّاجة هوائية قديمة، ويبيع مناقيش الزعتر والجبنه والبيتزا (Pizza) التي يحملها في سلّة مربوطة خلف مقعده... كان  يتراقص طربا على صوت أغنية "ابن الجيران" لنانسي عجرم، على صوت يعلو من جهاز تلفونه الجوّال. 

فجأة توقف إلى جانب متسوّلة عجوز، انحنى صوبها وأعطاها منقوشة زعتر، ثم  قال لها وهو يتجاوزها: "ادعِ لي يا فاطمة، ادعِ لي وحياتك..". وأكمل طريقه مغنيا وخصلات شعره تتطاير مع نسيم الصباح الشتوي البارد، وطرف سرواله الداخلي الملوّن يظهر بوضوح من طرف بنطاله.

بقيت أراقبه وأسمع صوته يرافق غناء نانسي حتى اختفى في ازدحام الشارع.

استوقفتني جملته طويلا. أوّلا لأنّني سمعتها في شارع "هرتسل" (ما غيرو) في حي الهدار بحيفا. وهو حيّ سكنه قبل العام 1948 اليهود المهاجرون من أوروبا، الذين استوطنوا حيفا بدعم من الانتداب البريطاني. وتحوّل الحيّ مع مرور الزمن إلى مركز تجاري. واليوم يسكنه الفقراء من الفلسطينيين والمهاجرين اليهود الروس.

وثانيا، لأنّني أخيرا عرفت اسم المتسوّلة التي أصبحت جزءًا لا يتجزّأ من المشهد العام في الشارع المكتظّ دوما بالناس المسرعين إلى أعمالهم ومشترياتهم.

هي سيّدة ما زالت آثار الجمال واضحة على محياها. سمراء طويلة القامة ونحيفة، لم أنتبه إبدا إلى وجودها على أنّها فاطمة. فأنا أراها منذ الأزل تجلس على الرصيف صيفًا وشتاءً. تمدّ يدها لتتسوّل النقود أو بعض المأكولات. لم أسمعها أبدا تتكلّم ولم أتوقّع أبدا أن تكون سيّدة فلسطينية في شارع يعجّ بالمتسولين والمتسولات الروس الذين تركوا وطنهم الأم وأتوا إلى البلاد بعدما غُسِلَت أدمغتهم بأنّ الخيرات تتنتظرهم في "أرض الميعاد". وبعدما كانوا مهندسين وأطباء فتحوّلوا إلى متسولين ومتشرّدين في أزقّة بلادنا وشوارعها.

المساهمون