حكواتي: أمّ وليد وأزمتها القلبية

حكواتي: أمّ وليد وأزمتها القلبية

10 مايو 2014
الحيّ كلّه مرّ على لسانها بأقذع العبارات
+ الخط -

 
"إجت ام وليد"... تكفي هذه الكلمة لدبّ الذعر في نفوس الاطفال الذين يلعبون الكرة أسفل المبنى. فأم وليد هذه "قبضاي الحيّ" قولا وفعلا. حين يحاول "الخضرجي" تثبيت سعر جديد، يعلو صراخها عليه بأقسى العبارات: خافوا الله بعباده ولي. حاج ترفعوا الأسعار. يلعنكن.

وسرعان ما يلتمّ الناس من حولها فتزيد من الصراخ حتى يرضخ الخضرجي. كذلك سائق الصهريج الذي يمدّ المنطقة بالمياه حين تنقطع مياه الشركة الرسمية. وصاحب موتور الكهرباء. والشبّان على درّاجاتهم النارية. من منهم لم يأكل "شرشحة من أم وليد؟

الحيّ كلّه بمن فيه مرّ على لسانها بأقذع العبارات.

حين تدخل أمّ وليد إلى أحدنا في الحيّ، سواء إلى الدكان أم غرفة الجلوس، فمن المستحسن الصمت حتّى تملي علينا مطالبها. ضخامة بنيتها وصوتها المرتفع يطغيان على المكان كأنّك وسط غارة لسلاح جوّ فتّاك. وفتية الحيّ شبّهوها بالطائرة الآميركية ب 52، شكلا وصوتا.

لأمّ وليد، المرأة التي ترعب حيّا بأكمله، ابنتان ووليد الذي تزوّج وسكن بعيدا كأخته الكبيرة، فيما بقيت "آمنة" مع أمّها.

زوجها اختُطِفَ خلال الحرب الأهلية اللبنانية العام 1977. ومنذ ذلك الوقت تجلس خلف ماكينة الخياطة لإعالة أولادها... جرّبت عمل "التريكو"، فصنعت من الصدف والخرز حليا للـ"صبايا". قصدت الشام واشترت منها قطنيات وباعتها إلى جاراتها.

مرشّحو الانتخابات وجمعيات الإعانات كلّهم لديهم صورة إخراج القيد العائلي لأمّ وليد. هم يرسلون إليها شهريا المعونة الغذائية والمبالغ النقدية. منهم من استمرّ حتّى اليوم ومنهم من انقطع عنها. وهؤلاء الذين توقفوا عن إرسال المساعدات نالوا نصيبهم من الشائعات المسيئة التي تطلقها عليهم انتقاما في الحيّ، أو من الشتائم في أحسن الاحوال.

أبو وليد، ذاك الذي غاب عنها، لم يسلم بدوره من الشتائم. لطالما جلست المرأة القوية على شرفتها تحتسي القهوة وترفع صوتها : الله لا يسامحك. هيك ضهرت؟ خبّرتك يومها. أوعا تضهر. الحواجز مليانة والميلشيات عم بيقتلوا وبيخطفوا. ولا ردّيت عليّ. انبسطت هيك؟ قضيت كلّ عمري إلحق لقمة ولادك.

لم يترك لها الرجل شيئا. حتّى الأثاث اضطرّت أن تبيعه في إحدى محناتها المالية. وحده المعطف الباريسي الذي اشتراه يوما لها احتفظت به لسبب غير معلوم.

إتصل الجيران بسيارة الإسعاف: تعرّضت أمّ وليد لأزمة قلبية فجأة منذ أيّام قليلة. سارعت آمنة وجاراتها ووضعن على جسدها "شرشفا" حين كان رجال الدفاع المدني يحملونها على وقع أنينها: لوين يا ولاد الـ... اتركوني... هلّق بقوم...

غطّتها ابنتها بالشرشف. رفعت يدها ببطء وربتت على كتفها قائلة: انقبري يا حنونة جيبيلي "الترانشكوت تاع ابوكي يلّي اشترالي ايّاه". معقول روح لعندو بلاه؟

 

 

دلالات

المساهمون