حراك الجزائر... أزمات معيشية في عمق الاحتجاجات ضد بوتفليقة

حراك الجزائر... أزمات معيشية في عمق الاحتجاجات ضد بوتفليقة

03 مارس 2019
جانب من الاحتجاجات ضد ترشح بوتفليقة (الأناضول)
+ الخط -

 

ارتفع صوت الجزائريين مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/ نيسان المقبل، ورغم أن المطالب السياسية تتصدر الحراك الذي يشهده الشارع ضد ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، العديد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية لا تغيب عن الواقع، وأضحت تفرض نفسها بقوة على مجريات الأمور.

فلا تزال آثار الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر منذ 2014، من جراء انهيار عائدات النفط، بادية على حياة الكثير من الأسر الذين تغيرت معيشتهم.

فقد ردد المتظاهرون في احتجاجات يوم الجمعة الماضي، شعارات "كرهنا المعيشة هادي" (كرهنا هذه المعيشة)، و"كليتوا البلاد ... يا سراقين" (أكلتم البلاد يا لصوص)، وهي رسائل وجهها المحتجون للمسؤولين، الذين يتحملون مسؤولية تفشي الفساد، وسرقة أموال الدولة بينما تشهد البلاد تردّياً معيشياً.

يقول المواطن محمد برقات، الذي شارك في احتجاجات الجمعة الماضي رفقة ابنه الذي دخل عقده الثاني: "لا نريد معيشة مماثلة لمعيشة النرويجيين ولا سكان بريطانيا، نطالب بمعيشة تحفظ كرامة وعزة الجزائريين، الرئيس بوتفليقة منذ وصوله حمل شعار الجزائر العزة والكرامة، لكن للأسف باتت الجزائر تهان وأصبحنا نرى جزائريين يفتشون في القمامة عما يأكلون".

وتحتل الجزائر مراتب متأخرة في التصنيفات العالمية المتعلقة بظروف المعيشة، فقد جاءت في المركز 132 على ترتيب أكثر بلدان العالم غير القابلة للعيش، ضمن التصنيف السنوي لشركة "الاقتصادي الذكي" لسنة 2018، وهي مؤسسة مختصة في إعداد الأبحاث والتحليلات والتوقعات، تابعة لمجموعة "الاقتصادي" البريطانية.

وتصنف الدراسة 140 دولة في العالم، حسب مستوى المعيشة الذي تقدّمه الدولة لسكانها من خلال مراعاة عدة عوامل تشمل الاستقرار، والصراعات الاجتماعية، النظام الصحّي، العوامل البيئية، مستوى الفساد، مستوى الرقابة، الحياة الثقافية، نوعية الغذاء، نوعية الخدمات، نوعية التعليم، البنية التحتية، وجودة الاتصالات والإسكان.

تحسين القدرة الشرائية

كل المؤشرات الاقتصادية تُنذر باستمرار ما يصفه محللون بالسنوات العجاف في الجزائر، إذ تواصل الحكومة التقشف خلال 2019، في ظل استمرار العجز المالي، وتآكل احتياطي النقد الأجنبي، وتهاوي قيمة العملة المحلية، ما أدى إلى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين بشكل كبير.

وتتصدر المخاوف من ارتفاع الأسعار المشهد الاقتصادي، بعد إعلان بنك الجزائر المركزي قبل نحو شهرين تعويم الدينار بشكل موجه، ما ينذر بمزيد من الغلاء، ويهدد الخطط الحكومية الرامية إلى إلغاء الدعم تدريجياً بداية من العام المقبل 2020.

وكان محافظ بنك الجزائر محمد لوكال، قد أعلن في يناير/ كانون الثاني الماضي أن الدينار فقد 34% من قيمته خلال العام الماضي 2018، فيما اعتمد البنك "سياسة التعويم الموجه" لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.

وأثارت هذه الخطوة التي لم يكشف عنها البنك المركزي إلا بعد تنفيذها، مخاوف المتابعين للشأن الاقتصادي، الذين يتوقعون أن يسرع تعويم الدينار من وتيرة تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وخاصة أن الحكومة لا تبدو مستعدة لإيقاف آلة طباعة النقود التي اعتمدت عليها طيلة السنة الماضية لتمويل الخزينة العمومية، والتي أثّرت بدورها سلباً في ارتفاع معدلات التضخم في الدولة النفطية.

وتشير البيانات الحكومية، إلى أن معدل سعر صرف الدولار أمام الدينار عام 2012 بلغ 77.55 ديناراً، فيما بلغ المتوسط عام 2013 نحو 79.38 ديناراً، ليرتفع إلى 80.56 عام 2014، ثم 100 في 2015، ونحو 107 دنانير في 2016، ثم إلى 112 بنهاية 2017، قبل أن يغلق عام 2018 على 119 ديناراً، وسط توقعات حكومية بمزيد من الانخفاض لقيمة العملة المحلية في العام الحالي.

يقول الخبير الاقتصادي فرحات علي، إن "الجزائريين دخلوا في دوامة انهيار القدرة الشرائية منذ قرابة سنتين، إلا أن حدة هذا الانهيار ازدادت في الآونة الأخيرة، والدليل أن المواطنين باتوا يشتكون من عدم قدرتهم على إنهاء أيام الشهر براتبهم".

ويضيف علي لـ"العربي الجديد"، أن "انخفاض قيمة الدينار أثّر سلباً لا فقط على الفقراء وإنما على الطبقة المتوسطة أيضاً، وهو ما يهدد بتعجيل انهيار القدرة الشرائية أكثر في السنة الحالية، وذلك لسببين؛ الأول تواصل عملية طبع الأموال، والثاني تمسك الحكومة بسياسة تقليص فاتورة الواردات من خلال خفض الدينار، لإطالة عمر احتياطي النقد الأجنبي".

وكانت الحكومة قد لجأت في نهاية 2017 إلى الاعتماد على "التمويل غير التقليدي"، الذي يسمح للبنك المركزي بطباعة كتل نقدية وإقراضها للخزينة العمومية، على ألا يتجاوز سقف الاقتراض 11 مليار دولار سنوياً لمدة 5 سنوات.

غير أن الحكومة تعدّت الحدود التي رسمتها لنفسها، بعدما طبعت ما يعادل نحو 65 مليار دولار، وتستعد لطباعة ما يعادل 10 مليارات دولار أخرى هذه السنة، لترفع مستويات الدين الداخلي المتراكم إلى 34% من الناتج الإجمالي الداخلي حسب تصريح رئيس الحكومة أحمد أويحيى نهاية الأسبوع الماضي.

فقد كشف رئيس الحكومة نهاية فبراير/ شباط الماضي، أن إجمالي حجم التمويل غير التقليدي بلغ 6.55 ترليونات دينار (65 مليار دولار)، حتى نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي.

وأوضح أويحيى أن "التوزيع السنوي لطباعة النقود بلغ 2.18 ترليون دينار (20 مليار دولار) في 2017، ونحو 3.47 ترليونات دينار في 2018، وترليون دينار في يناير/ كانون الثاني 2019.

الشغل والسكن

وبالتوازي مع الغلاء وتراجع القدرات الشرائية، يخيّم شبح البطالة على يوميات المواطنين، فبات الحصول على منصب عمل دائم مجرد حلم لدى ما يقرب من مليون ونصف المليون شخص، وخاصة حاملي الشهادات، في بلد يعدّ من أغنى الدول في القارّة الأفريقية، بفضل عائدات النفط التي ملأت خزائن احتياطي النقد الأجنبي في السنوات العشرين الماضية.

وتشير البيانات الحكومية إلى أن البطالة لم تتعد 11.6% نهاية 2018، إذ بلغ عدد العاطلين 1.456 مليون شخص، 35% منهم من حاملي الشهادات الجامعية، إلا أن محللين يشككون في شفافية هذه البيانات واصفينها بـ" السياسية" أكثر منها اقتصادية.

وليست البطالة وحدها ما يؤرق الجزائريين، إذ لا تزال مشكلة السكن تتقدم واجهة الأحداث في الدولة. وحسب حصيلة فترات بوتفليقة في الحكم، التي قدمها رئيس الحكومة للبرلمان الأسبوع المنصرم، فإن الحكومة تعهدت بتوفير 4.6 ملايين وحدة سكنية مدعومة السعر منذ عام 2000، فيما العجز المسجل يقارب 700 ألف وحدة، وهو رقم يراه الخبراء بعيداً جداً عن الواقع.

ويقول الخبير الاقتصادي جمال نور الدين لـ"العربي الجديد": "هناك طلب متزايد من المواطنين على السكن، وخاصة في المناطق الداخلية والأرقام الواقعية تتخطى ما تتحدث عنه الحكومة، هناك تطور ديمغرافي فعدد السكان تجاوز 42 مليون نسمة، إذاً على الحكومة مراجعة أرقامها حول حاجات السكن والعجز في توفير وحدات سكنية للمواطنين".

المساهمون