جدّة السعودية تدخل قائمة التراث العالمي

09 سبتمبر 2014
تحولت جدّة إلى ميناء لمكة المكرمة (Getty)
+ الخط -
تعرض جدّة التاريخية معمارها الفريد أمام أعيننا. هي ميناء مكّة المكرمة، وتُعرف محلياً باسم جدّة البلد (وسط المدينة). يعود تاريخها إلى عصور ما قبل الإسلام، لكنّ نقطة تحوّلها الأساسية كانت في عهد الخليفة الراشدي، عثمان بن عفان، عندما اتخذها ميناءً عام 26 هجرية/ 647 للميلاد.

داخل سور جدّة القديمة عدّة أحياء، تسمّى الحارات، وقد اكتسبت أسماءها حسب موقعها الجغرافي، أو الأحداث التي مرّت بها. فقد سمّيت "حارة المظلوم" بهذا الاسم نسبة إلى السيد عبد الكريم البرزنجي، الذي قتلته الحكومة العثمانية ظلماً. أمّا حارة "الشام" فتقع في الجزء الشمالي، جهة بلاد الشام. على المنوال نفسه سمّيت حارتا "اليمن" و"البحر".

معمار فريد
منازل طوب مبرّدة بنى أهالي جدّة منازلهم من الحجر المنقبي. استخرجوه من بحيرة الأربعين، ثم عدلوه بالآلات اليدوية ورصفوه إلى جانب أخشاب جلبوها من المناطق المجاورة، كوادي فاطمة، كما استخدموا الطين الذي جلبوه من بحر الطين.

تتلخّص طريقة البناء فـي رصّ الأحجار عبر مداميكَ، يفصل بينها قواطع من الخشب لتوزيع الأحمال على الجدران، وبلغ ارتفاع بعض هذه المباني أكثر من 30 متراً، كما بقي بعضها لمتانته وطريقة بنائه بحالة جيّدة حتى اليوم. تميّزت هذه المنازل بوجود ملاقف هواء على كل حجرات البيت، وأيضاً استخدمت الرواشين بأحجام كبيرة، واستخدمت الأخشاب المزخرفة فـي الجدران، ما ساعد على تحريك الهواء وانتشاره فـي أرجاء الدار، وإلقاء الظلال على جدران البيت لتلطيف الحرارة.

كما كانت الدور تقام بجوار بعضها البعض، وواجهاتها متكسرة لإلقاء الظلال على بعضها. والملاقف أبراج متّصلة بالمباني تستخدم للتبريد، وتعمل على تبديل الحرارة بين الهواء الحارّ الرطب والمياه الباردة الجارية في قنوات خاصة.

يزوّد البرج بمنافذ هوائية تعلو واجهات المبنى لسحب الهواء البارد من الأسفل، فيدخل إلى الحجرات الداخلية، ويتلازم وجود الملاقف مع المشربيات المفتوحة على الفناء الداخلي، ما يضمن تجديداً مستمرّاً لهواء الحجرات.

بيت نصيف هو أحد أبرز معالم جدّة التراثية، وقد تحوّل إلى متحف للزوّار. يعود تاريخ بنائه إلى عام 1872، بُني بحجر الكاشور أو المنقب الجيري، وهو حجر مرجاني يُجلب من شاطئ البحر الأحمر.

نظراً لهشاشة هذا النوع من الأحجار، فإنها تؤمن البرودة صيفاً والدفء شتاء. ينقسم البيت إلى قسمين، غربي من أربع طبقات، وشرقي من 8 طبقات مخصّص للنساء، جرى تحويله إلى مدرسة. تبلغ مساحة البيت 900 متر مربع، ويحتوي على 40 غرفة. الدور الأوّل مخصّص لاستقبال الضيوف، والثاني لنومهم، والثالث للأسرة. في الطابق الرابع، مكان الجلوس المفضّل للأسرة في فصل الصيف.

يحتوي البيت على حمام تركي وصهريج في أسفله تجتمع فيه مياه الأمطار، كما ضمّ مكتبة عظيمة بآلاف الكتب أهديت بعد وفاة عمر أفندي إلى جامعة الملك عبد العزيز. أقام الملك عبد العزيز أثناء وجوده في جدّة في بيت نصيف، وكان يستقبل كبار ضيوف الدولة في القاعة الكبيرة، ويستمع لشكاوى الناس، وشهد هذا البيت توقيع اتفاقية تسليم جدّة، إلى جانب العديد من الاتفاقيات وقّعها مع بعض السفراء. تقديراً من الدولة لقيمته التاريخية، صدر أمر ملكي في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز بشراء البيت وتحويل ملكيته لأمانة جدّة.

سور جدّة
بقيت جدّة حتى عام 1947 داخل سور يحيط بها من جميع الجهات. بنى السور السلطان أبو النصر قانصوه الأشرف الغوري الجركسي، وهو آخر سلاطين المماليك البرجية في مصر عام 917هـ (1509م) لحمايتها من غارات الغزاة البرتغاليين. تتخلّل السور سبع بوابات ربطت جدّة بالعالم الخارجي.

الباب الأوّل هو "باب المدينة" يقع أمام حديقة مقرّ القائمقام في حارة الشام المواجهة لبيت باجنيد من جهة الشرق، عُرف في ذلك الوقت باسم "بيت أمريكاني"، لأنه كان مقرّاً لمندوب شركة كاسوك (أرامكو في ما بعد)، ويفصل بين الحديقة والبوّابة شارع عريض، أصبح جزءاً من شارع الملك عبد العزيز الدائري. كانت هذه البوابة تفتح للمسافرين إلى المدينة المنورة والقادمين منها، وكذلك للمسافرين إلى مكّة المكرّمة والقادمين منها، وذلك لتعذّر انتقال القوافل من المنطقة الغربية لمدينة جدّة إلى باب مكّة. كما كان باب المدينة يُستخدم لمرور العربات المحمّلة بالحجارة، المستخرجة من المناقب الواقعة شمال جدّة، والطين المستخرج من بحر الطين، أو ما أصبح يعرف ببحيرة الأربعين، والمستخدم في بناء بيوت جدّة في ذلك الوقت.

أبواب جدّة
"باب مكّة" هو بوّابة جدّة الشرقية، يقع أمام سوق البدو وينفذ إلى أسواق الحراج والحلقات الواقعة خارج السور. كان معبراً للجنائز المتّجهة إلى مقبرة الأسد، الواقعة خارج السور. أما "باب شريف" أو بوّابة جدّة الجنوبية فتقع أمام برحة العقيلي. "باب النافعة" هو أولى بوّابات السور، وكان معبراً للعاملين في البنط والبحر، وجلّهم من سكّان حارتي البحر واليمن.

أما "باب الصبّة"، وهو ثاني بوّابات السور الغربية ومن أهمّها، فموقعه مدخل سوق البنط (برحة مسجد عكاش) من ناحية ساحة البنط غرباً، وسمّي "باب الصبّة" لأنّ الحبوب المستوردة كانت تصبّ عنده، حيث تنقّى وتوضع في أكياس، ثم تزان بواسطة القبّان، تمهيداً لنقلها إلى مستودعات التجّار. ترجع أهمية "باب الصبّة" في وقته، إلى إحاطته بعدّة إدارات حكومية هامّة، من على يمينه البلدية، وعن يساره إدارتا البريد والبرق ومخفر للشرطة وفوقه المحكمة. "باب المغاربة" هو ثالث بوابات السور الغربية، وكان هذا الباب، وحتى فتح الجزء الغربي لشارع الملك عبد العزيز، منتصف أربعينيات القرن الميلادي الماضي، المخرج الوحيد للحجّاج القادمين عن طريق البحر، للتوجّه إلى مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة. ويبقى "باب جديد"، آخر الأبواب، وهو عبارة عن بوّابة مزدوجة تتّسع كلّ واحدة منها لمرور السيّارات بيسر.
دلالات
المساهمون