تونس: إجراءات مصرفية لكبح السيولة تُغضب المودعين

تونس: إجراءات مصرفية لكبح السيولة تُغضب المودعين

12 يناير 2020
البنك المركزي يستهدف خفض التضخم بكبح السيولة (Getty)
+ الخط -

 

يشكو التونسيون من صعوبات في سحب أموالهم من الصرافات الآلية، الأمر الذي أرجعه البعض إلى إجراءات مصرفية لكبح سحب السيولة من البنوك، في البلد الذي يشهد تباطؤاً اقتصادياً. لكن مسؤولين في القطاع المصرفي ينفون ذلك، ويُرجعون الأمر إلى أعطال في ماكينات الصرف وتزايد السحب، وخاصة في أوقات المناسبات.

تقول سامية البرهومي إنها غالباً ما تعرضت في الآونة الأخيرة لمفاجآت غير سارة لدى قيامها بعمليات سحب للأموال عبر الصرافات الآلية، أو الدفع الإلكتروني، مشيرة إلى أنها تعوّدت تلقي الرسالة التي تظهر على شاشة الصراف الآلي للاعتذار عن عدم إمكانية القيام بالعملية المالية، بالرغم من امتلاكها للرصيد الكافي الذي يسمح لها بالحصول على المبلغ المطلوب.

وتشير البرهومي في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن هذه الإشكالية أضحت متكررة، وخاصة في إجازات نهاية الأسبوع أو نهاية الشهر التي تتزامن مع صرف الرواتب وغيرها من المناسبات.

وترجّح إمكانية تعمّد الفروع البنكية وضع مبالغ محددة نهاية الأسبوع أو تعطيلها تماماً للجم الإنفاق والسحوبات المتواترة، مؤكدة أن التونسيين يعانون من ارتفاع كبير في نفقاتهم التي تزيد في إجازات نهاية الأسبوع والمواسم المختلفة.

ومنذ إعلان السلطات المالية في تونس وضع خطة لمكافحة التضخم والتحكم في الإنفاق، انخرطت البنوك في سياسة التضييق على السحوبات المفرطة وقروض الاستهلاك نتيجة شحّ السيولة وارتفاع معدلات الاقتراض لدى الأسر التونسية.

ويعدّ الدفع الإلكتروني عبر بطاقات الائتمان أو السحب من الصرافات البنكية واحدةً من أبرز وسائل الإنفاق لدى التونسيين، الذين يقومون سنوياً بنحو 80 مليون عملية بنكية، وفق بيانات رسمية صادرة عن شركة نقديات تونس.

ولا ينكر سليم زبيبة، المسؤول في أحد المصارف التونسية، أن الصرافات الآلية تتعرض لضغوط من قبل العملاء من أجل سحب الأموال، ما يؤدي إلى نفاد الأموال التي تُغذى الصرافات بها، وخاصة في فترات الذروة.

ويقول زبيبة لـ"العربي الجديد" إن هناك نقصاً في الأوراق النقدية من فئة الخمسين ديناراً (أكبر ورقة نقدية في تونس)، ما يحدّ من إمكانية تغذية الصرافات بمبالغ كبيرة، ويفسّر نفاد كميات الأموال بسرعة، مشيراً إلى أن البنك المركزي لا يزود المصارف بكميات كافية من الأوراق النقدية من هذه الفئة.

ويتابع قائلاً إن "اكتناز المهربين وتجار السوق الموازية للأوراق النقدية من فئة الـ50 ديناراً يدفع البنك المركزي نحو تقليص تداولها في المصارف".

وتأتي محاولات البنك المركزي لكبح السيولة، بينما تظهر البيانات الرسمية ارتفاع نسبة الاستدانة لدى الأسر بنسبة 117 في المائة منذ عام 2010 وحتى منتصف 2018، لتبلغ 23.1 مليار دينار (7.55 مليارات دولار)، وأصبح ربع العائلات يدفع أقساطاً شهرية للمصارف.

وبحسب دراسة للمعهد الوطني للاستهلاك الحكومي نُشرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، فإن 36.5 في المائة من التونسيين لديهم فرد على الأقل في العائلة بصدد سداد قرض بنكي، و10.3 في المائة لديهم فردان في حالة سداد، فيما يلجأ 19.6 في المائة منهم باستمرار إلى قضاء حاجاتهم عبر الاقتراض، وهم في حالة سداد دائمة للديون.

وتراجع التضخم خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إلى 6.3 بالمائة، بعد أن كان في حدود 6.5 بالمائة خلال أكتوبر/ تشرين الأول و6.7 بالمائة خلال سبتمبر/ أيلول، وفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء.

في مقابل الانتقادات التي يوجهها مواطنون إلى البنوك بكبح السيولة، يقول خالد بالطيب، المدير العام لشركة نقديات تونس، إن عدم توافر السيولة الكافية في الصرافات يرجع إلى أعطال تقنية، ولا يوجد تعمد لكبح صرف الأموال.

ويضيف بالطيب لـ"العربي الجديد" أن الصرافات الآلية تشهد ضغطاً كبيراً في فترات دون أخرى، وهي عادة المواسم التي تزيد فيها وتيرة الإنفاق، ما يفسّر نفاد الأموال بسرعة، مشيراً إلى أن التونسيين قاموا بنحو 80.2 مليون عملية خلال 2019، من بينها 59.8 مليون عملية سحب عبر البطاقات البنكية بقيمة 14 مليار دينار، ما يمثّل 74 بالمائة من مجموع العمليات المالية التي أُجريَت خلال تلك الفترة.

لكن خبراء في القطاع المصرفي يرون أنه حتى لو كانت الصرافات الآلية تعاني من أعطال تقنية تؤدي إلى عدم قدرة العملاء على صرف أموالهم، فإن هذه الأمور تقلص من فرص البنوك في إقناع المواطنين بالتعامل معها، بينما تعاني بالأساس من عزوف في التعاملات الرسمية في السنوات الأخيرة.

وأظهرت دراسة أجراها مكتب دراسات متخصص للبنك المركزي ووزارة المالية أخيراً، ضعف تعاملات التونسيين مع الأجهزة المالية الرسمية، من مصارف ومؤسسات القرض والتأمينات والبريد، مقابل زيادة عمليات الاقتراض خارج الأطر القانونية.

ووفق الدراسة، فإن 16 في المائة فقط من التونسيين يستخدمون الائتمان، بينما حصل 66 في المائة على قروض من خارج البنوك أو مؤسسات التمويل الأصغر الرسمية.

المساهمون