توسع النشاط الإيراني شرق سورية: قواعد عسكرية وأنشطة دعوية

25 نوفمبر 2019
تحوّلت الحدود السورية العراقية إلى مقر إيراني (فرانس برس)
+ الخط -
تجتهد إيران في محاولة تكريس نفوذها العسكري والاقتصادي والاجتماعي في عموم سورية، خصوصاً في المناطق الشرقية المحاذية للحدود العراقية، في سبيل تأمين الممر البري الذي يربطها عبر العراق مع كل من سورية ولبنان.
في هذا السياق، ذكرت شبكة "فوكس نيوز" الأميركية، يوم الثلاثاء الماضي، أن إيران تواصل إعادة بناء قاعدة "الإمام علي" في منطقة البوكمال عند الحدود السورية العراقية، وذلك وفقاً لصور حصلت عليها الشبكة من شركة "إيميج سات" الإسرائيلية المتخصصة في الدراسات الاستخباراتية والأمنية. وسبق لتلك القاعدة أن تعرّضت لضربة جوية إسرائيلية في 9 سبتمبر/أيلول الماضي.

يومها، وجّه طيران لم تحدد هويته بالضبط، ويرجح أن يكون مشتركاً بين التحالف وإسرائيل، مجموعة من الضربات للقاعدة التي لم يمر على كشفها سوى خمسة أيام حينه، ما أدى إلى تدمير أجزاء منها. وتناقلت وسائل الإعلام في حينه مقاطع مصورة تظهر تصاعد أعمدة اللهب من القاعدة.

وتظهر الصور التي نشرتها الشركة أيضاً إعادة بناء ثمانية أماكن ضمن القاعدة ومحيطها، لكل واحد منها مهام متعددة، لا سيما في ما يخص إخفاء الشاحنات وكميات كبيرة من المعدات، إضافة إلى إنشاء حاجزين على جانبي القاعدة مع جدران محصّنة لحمايتها.

وتقول الشبكة إن عمليات إعادة البناء من قبل إيران للقاعدة القريبة من معبر القائم الحدودي مع العراق لا تزال مستمرة، ونقلت عن خبراء في الأمن أن بناء قاعدة "الإمام علي" كان بمثابة المرة الأولى التي يقوم فيها الجيش الإيراني ببناء قاعدة بهذا الحجم من الصفر في سورية، وذلك على بعد حوالي 320 كيلومتراً من قاعدة التنف الأميركية عند مثلث الحدود السورية ـ الأردنية ـ العراقية.

ووفقاً لمعلومات حصل عليها "العربي الجديد" فإن القاعدة الواقعة في منطقة الهري بمحيط البوكمال تضمّ 15 نقطة عسكرية، بينها 10 نقاط تحوي عدداً من مخازن السلاح وساحات لتدريب المقاتلين، إضافة إلى عدد من المقار العسكرية للمليشيات المدعومة من إيران وعلى رأسها "الحرس الثوري" الإيراني ومليشيا "فاطميون" إضافة إلى "فيلق القدس" الذي أسندت عمليات البناء إلى عناصره، فضلاً عن خمس نقاط أخرى تحوي منصات إطلاق صواريخ متطورة.

توزّع قواعد المليشيات الإيرانية

وتتركز قواعد المليشيات الإيرانية في كثير من المدن والمناطق في محافظة دير الزور، وبشكل رئيسي على الطريق الاستراتيجي الذي تسعى إيران لتعزيز حضورها فيه ضمن مشروعها في الوصول إلى البحر المتوسط عبر العراق وسورية ولبنان. وتشير المعلومات التي تمكن "العربي الجديد" من الحصول عليها من داخل المحافظة إلى أن هذه القواعد والنقاط تتوزع على الشكل التالي:

* قاعدة حقل الورد النفطي في محيط البوكمال، وتعتبر تجمّعاً لمليشيا "الحشد الشعبي" و"حركة النجباء" العراقية، وعدد آخر من المليشيات الإيرانية، وقد زارها رئيس أركان الجيش الإيراني محمد باقري في أواسط شهر مارس/ آذار الماضي أثناء جولته على القواعد الإيرانية في المحافظة.



* مجمّع المقار العسكرية في الجلاء، وهو مجموعة من النقاط والمقرات العسكرية الإيرانية في منطقة الجلاء التي تقع بالقرب من المنطقة الأثرية "دورا أوروبس" في محيط البوكمال، وتنفذ المليشيات الإيرانية في هذا المجمع مهمات إسناد ودوريات مستمرة إلى مدن الريف الشرقي لمحافظة دير الزور.

* قاعدة (تي 2) أو (الكم)، التي تقع في البادية المقابلة لمدينة البوكمال، وهي الأقرب للقواعد الأميركية، وعلى مقربة منها أيضاً هنالك جيب أخير لتنظيم "داعش". وكشف مصدر لـ"العربي الجديد" أن هناك تعاوناً من نوعٍ ما بين التنظيم والمليشيات الإيرانية في هذه المنطقة، بما يخص تهريب مقاتلي التنظيم من شرق الفرات، ولا سيما من منطقة الباغوز نحو البادية عبر صفقات أبرمت مع المليشيات. وقد زار هذه القاعدة قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني في 26 تموز/ يوليو الماضي، وظهر في مقاطع مصورة من داخل القاعدة.

* قاعدة المطار العسكري، وهي قاعدة مشتركة بين الفئات المدعومة من إيران وعلى رأسها "حزب الله"، وقوات من الجيش الروسي، حيث يستقر خبراء عسكريون روس في المطار بشكلٍ دائم.

* قواعد معسكري الصاعقة والطلائع، وهي أكبر تجمّع للمليشيات الإيرانية داخل مدينة دير الزور، وتقع بالقرب من مبنى المحافظة وحي الجورة، وهي في المجمل معسكرات تدريب وتجميع لمقاتلي المليشيات ومنطلق باتجاه المنطقة الوسطى.

* قاعدة عين علي، وتقع في بادية مدينة القورية في الريف الشرقي، وقد أنشأت مليشيا "فاطميون" فيها مزاراً دينياً، وبالإضافة إلى أهمية هذه النقطة عسكرياً، فإنها أيضاً تعتبر مركزاً لتجمع الحجاج القادمين من إيران والعراق باتجاه سورية.

أما بالنسبة إلى ما تبقّى من مقار عسكرية وأمنية في المدن الرئيسية فتتوزع بين حواجز تفتيش تتركز في مدن الميادين والعشارة، وأحياء العمال والموظفين داخل دير الزور، إضافة إلى وجود إيراني داخل الأفرع الأمنية التابعة للنظام في أحياء الجورة والقصور والرواد داخل المدينة.

التمدد الديني والثقافي ونشر التشيّع

تظهر المعلومات أيضاً أنه منذ فرض المليشيات الإيرانية سيطرتها على محافظة دير الزور، بدأت بتنفيذ مخططات بهدف تحقيق التغيير المذهبي والثقافي في المنطقة، من خلال نشر الثقافة الإيرانية عبر أساليب متعددة، ومنها:

* شراء العقارات، إذ نشطت المليشيات الإيرانية في عملية شراء العقارات منذ عام 2018، سواء بشكل مباشر عن طريق التواصل مع أصحاب المنازل في أماكن متفرقة من المحافظة، أو بصورة غير مباشرة عن طريق شراء عقارات المدنيين المهجرين عبر سماسرة على صلة بمحافظ دير الزور، ثم تحويل ملكيتها إلى أفراد المليشيات الإيرانية لاحقاً، بالإضافة إلى مصادرة عدد من العقارات التي تعود لمعارضين للنظام السوري بشكل مباشر وتحويل ملكيتها لأفراد ينتسبون إلى المليشيات.
وفي السياق، برز دور المنظمات الإيرانية التي تابعت هذا النشاط بذات الطريقة، بالإضافة إلى دور النظام الذي سهّل شراء العقارات بإصداره المرسوم رقم 10 في عام 2018، الذي يقضي بضرورة عودة أصحاب العقارات اللاجئين وتثبيت ملكيتهم، وبحسب المصدر، فإن أكثر من ثلثي سكان محافظة دير الزور الذين يقدر عددهم بنحو مليوني نسمة في عام 2010، قد هجّروا من المنطقة بفعل الاستهداف المتواصل والانتهاكات من قبل نظام الأسد ومليشياته، وبالتالي لن يعود هؤلاء لإثبات ملكياتهم العقارية.

* المنظمات الدينية الإيرانية سعت إلى نشر المذهب الشيعي في المحافظة، عن طريق دسّ وتوزيع الكتيبات والمنشورات الدينية داخل السلال الغذائية التي يضطر السكان للحصول عليها بفعل الضائقة المادية وخصوصاً في المناطق الريفية، بالإضافة إلى إقامة فعاليات في مختلفة المناطق المتفرقة من المحافظة، يتم خلالها استعراض مقاطع مصورة ونشاطات تحضّ الحضور على اتباع المذهب الشيعي.

البعثات الدراسية والمراكز الثقافية: قدمت الحكومة الإيرانية تسهيلات ومنحاً دراسية لأهالي دير الزور لمتابعة الدراسة في طهران بالمجان، مع التكفل بجميع المصاريف المترتبة على الطلاب أثناء دراستهم. في السياق، سافر عشرات الطلاب خلال السنوات الماضية إلى العاصمة الإيرانية طهران لإتمام الدراسة. كذلك افتتحت إيران "المركز الثقافي الإيراني" في حي القصور في دير الزور العام الماضي، الذي تُقام داخله فعاليات وندوات هدفها ديني، ولتحريض الشبان على الالتحاق بالمليشيات الإيرانية.





* في قطاع التربية والتعليم، فرضت المليشيات الإيرانية مناهج مطبوعة باللغة الفارسية في مناطق متفرقة من محافظة دير الزور، وألغت الكتب المطبوعة من وزارة التربية والتعليم التابعة لنظام الأسد. وظهر توزيع المناهج بشكل علني في منطقة معدان بين الحدود الإدارية لمحافظتي الرقة ودير الزور بالإضافة إلى الريف المجاور.

* تجنيد الأطفال: عمدت إيران عن طريق ما سمتها "اللجنة الشعبية للصداقة السورية الإيرانية" إلى تأسيس مركز لما بات يعرف بـ "كشافة المهدي" في دير الزور، ويتم داخل المركز تدريب الأطفال على حمل السلاح وترغيبهم أيضاً في الانضمام إلى الكتائب المقاتلة التي ترعاها إيران.

* نشر الأضرحة: أنشأت المليشيات الإيرانية عدداً من الأضرحة في مناطق السويعية والقورية والجلاء، وهي مجموعة من القبور والمزارات المنسوبة لرموز شيعية. وبدأت المليشيات استقطاب مواطنين إيرانيين وعراقيين ولبنانيين للمناطق المذكورة، بالإضافة إلى بناء عدد كبير من الحسينيات وتحويل عدد من المساجد في مدن البوكمال والعشارة والميادين والقورية إلى حسينيات.

* دعم العائلات التي اعتنقت المذهب الشيعي: هنالك بعض العائلات من النظام المدعومة من عائلة الأسد، لا سيما في ناحية حطلة، تتلقى الدعم المادي من المليشيات، لتأسيس مجموعات مقاتلة من المتشيعين وإغراء الشبان للالتحاق بالمليشيات الإيرانية مقابل رواتب شهرية وامتيازات أمنية.

* التجنيس: ظهرت خلال الفترة الماضية وثائق تثبت تجنيس مواطنين إيرانيين وأفغان وإدراجهم ضمن سجلات النفوس على أنهم من أبناء محافظة دير الزور. وهي طريقة مباشرة وواضحة نحو التغيير الديمغرافي في المحافظة، وقد شهدت محافظات أخرى ممارسات مشابهة، خصوصاً في حمص ودمشق وحلب.

في السياق، يقول الناشط صهيب جابر، وهو أحد أبناء محافظة دير الزور، لـ "العربي الجديد"، إنه "على الرغم من اتباع المليشيات المذكورة التغير الديمغرافي في دير الزور، إلا أن هذه المحاولات ستبوء بالفشل بمجرد عودة أعداد كبيرة من المهجرين إلى المحافظة، وسيستعيدون حقوقهم من الممتلكات المسلوبة". وأضاف أنه "بالقانون سيعود كل حق لأصحابه، وستفشل المليشيات الإيرانية وإيران في تحقيق مسعاها في هذه المنطقة، ولا شك أن عمليات التجنيس التي تمت هي باطلة شكلاً ومضموناً وسيتم النظر فيها عن طريق دوائر النفوس". لكنه أشار إلى أنه "في حال استمرّ هذا الأمر لسنوات سوف يكون هناك احتمال لتغيير جزء من هوية المنطقة بسبب التراكم الزمني، فاليوم نتحدّث عن ثلاث سنوات من هذه البرامج والنشاطات الإيرانية. والعملية إذا ما أرادت إيران حصاد نتائجها تحتاج إلى عقود، وأخطر هذه النشاطات التي يجب العمل على إيقافها بأسرع وقت، هي تجنيد الأطفال واليافعين، فهي سلاح خطير ربما تستخدمه إيران مع مرور الزمن للهيمنة على المنطقة عسكرياً وثقافياً ودينياً".